عدو الغزال، فأين كانت هذه القوة كامنة فيك؟ هل خطر على بالك أن تبحث عن هذه القوة فتحسن استغلالها؟ هل تساءلت مرة عندما تغضب أو تفرح فتفعل الأفاعيل: كيف استطعت أن تفعلها؟ (١)
إن النفس -يا أخي- كالنهر الجاري؛ لا تثبت قطرة في مكانها ولا تبقى لحظة على حالها، تذهب وتجيء غيرها، تدفعها التي هي وراءها وتدفع هي التي أمامها. في كل لحظة يموت واحد ويولد واحد، وأنت الكل؛ أنت الذي مات وأنت الذي وُلد، فابتغِ لنفسك الكمال أبدًا، واصعد بها إلى الأعالي، واستولدها دائمًا مولودًا أصلح وأحسن، ولا تقل لشيء «لا أستطيعه»، فإنك لا تزال كالغصن الطري لأن النفس لا تيبس أبدًا ولا تجمد على حال، ولو تباعدت النقلة وتباينت الأحوال. إنك تتعود السهر حتى ما تتصور إمكان تعجيل النوم، فما هي إلا أن تبكر المنام ليالي حتى تتعوّده فتعجب كيف كنت تستطيع السهر. وتدمن الخمر حتى ما تظن أنك تصبر عنها، فما هي إلا أن تدعها حتى تألف تركها وتعجب كيف كنت تشربها. وتحب المرأة حتى ما ترى لك حياة إلا بها، فما هي إلا أن تسلوها حتى تعجب كيف كنت تحبها (٢).
فلا تقل لحالة أنت فيها: "لا أستطيع تركها"، فإنك في سفر دائم، وكل حالة لك محطة على الطريق، لا تنزل فيها حتى ترحل عنها.
* * *
_________
(١) انظر ص٢٠ - ٢١ في هذا الكتاب (مجاهد).
(٢) واقرأ إن شئت مقالتَي «عوِّدْ نفسك الخير» و«بَدِّلْ عاداتك إلى الأفضل»، وهما في كتاب «فصول اجتماعية» (مجاهد).
1 / 65