إلى أخي النّازح إلى باريس
نشرت سنة ١٩٣٧
يا أخي:
لمّا دخلتَ «مسابقة البعثة» أملت لك الفوز لِما عوّدك الله من التوفيق والمعونة، وخفت عليك الخيبة لأن الوزارة لا تريد إلا مبعوثًا واحدًا في العلوم الرياضية من سوريا كلها، وأنّى لك أن تكون ذاك الواحد؟ فلما ظهرت النتيجة وكنت أنت الناجح في فروع الرياضة، وكنت الناجح في «الطبيعة» أيضًا، حمدت الله على هذه المنة وذهبت أستعجلك بالسفر، ولما عزمتَ أعددتُ لك ما تريد وأنا فرح مستبشر مسرور.
كنت مسرورًا لأني أعلم أنك ذاهب تطلب العلم، وتخدم الوطن، وتقوم بالواجب. ولكنْ لم يكَدْ يتحقق الأمر ويأزَف الرحيلُ، وأرى الباخرة الفخمة «مارييت باشا» رابضةً حِيال المرفأ في بيروت تسطع أنوارها وتتلألأ، وألقي نظري على هذا البحر الهائل الذي يمتد في الفضاء أسودَ مثل الليل، حتى يغيب في السماء أو تغيب فيه السماء ... لم أكد أرى ذلك حتى أدركت الحقيقة الواقعة وعلمت أنك مودع نازح، فغلبت عليّ العاطفة وفاضت نفسي رقة وحنانًا.
1 / 51