من العلم، فألّف الحاشية. والسَّرَخْسي أملى وهو محبوس في الجُبّ كتابه «المبسوط»، أجَلّ كتب الفقه في الدنيا (١).
وأنا أعجب ممّن يشكو ضيق الوقت. وهل يضيّق الوقتَ إلا الغفلةُ أو الفوضى؟ انظروا كم يقرأ الطالب ليلة الامتحان، تروا أنه لو قرأ مثله، لا أقول كل ليلة بل كل أسبوع، لكان علاّمة الدنيا. بل انظروا إلى هؤلاء الذين ألّفوا مئات الكتب كابن الجوزي والطبري والسيوطي والجاحظ، بل خذوا كتابًا واحدًا كـ «نهاية الأرَب» أو «لسان العرب» وانظروا: هل يستطيع واحدٌ منكم أن يصبر على قراءته كله ونَسْخه مرة واحدة بخطه، فضلًا عن تأليف مثله من عنده؟
* * *
والذهن البشري، أليس ثروة؟ أما له ثمن؟ فلماذا نشقى بالجنون ولا نسعد بالعقل؟ لماذا لا نمكّن للذهن أن يعمل، ولو عمل لجاء بالمدهشات؟ لا أذكر الفلاسفة والمخترعين، ولكن أذكّركم بشيء قريب منكم سهل عليكم هو الحفظ. إنكم تسمعون قصة البخاري لمّا امتحنوه بمئة حديث خلطوا متونَها وأَسْنادَها، فأعاد المئة بخطئها وصوابها! (٢) والشافعي لما كتب مجلس مالك
_________
(١) «المبسوط» هو أوسع كتب الأحناف، وهو شرح «الكافي» للحاكم الشهيد. وكان السَّرَخْسي محبوسًا لمّا ألَّفَه، حبسه في الجُبّ خاقانُ أوزجَنْد بسبب كلمة حق نصحه بها (مجاهد).
(٢) القصة جميلة فلا تفوّتوا قراءتها، وهي في مقالة «أمير المؤمنين في الحديث»، في كتاب «رجال من التاريخ» (مجاهد).
1 / 24