57

Сунь Ятсен

سن ياتسن أبو الصين

Жанры

ففي أسبوع واحد حذا المحتالون من أصحاب المطامع حذوه وأعلنوا استقلالهم بأكثر من عشرة أقاليم، وحز في نفسه أن معظم هؤلاء كانوا من أذنابه ومأجوريه، فاعتزل الملك وأخبار الممالك الداخلية المستقلة تلاحقه حتى أطبقت عليه الطامة الكبرى باستقلال رشوان وهونان وعليهما أقرب أعوانه وصنائعه ... فقضى عليه الغم والكمد في السادس من شهر يونيو، ولما ينقض على صعوده إلى العرش ستة شهور ولا على نزوله عنه ثلاثة شهور.

روى التاريخ أن يوليان المرتد كان ينادي قبيل وفاته بينه وبين خاصته وبينه وبين نفسه: أيها الجليلي، لقد انتصرت! يعني «السيد المسيح».

ورواية التاريخ هذه لم تثبت ثبوت اليقين، بيد أنها رواية معقولة لا داعي لنفيها واستغرابها، فقد كان الباقعة الصيني، المعتز بدهائه وسلطانه وما يفعله المال والسلاح يعجب قبيل نزوله عن العرش ويعيد العجب قبيل موته، كيف يطاع سن ياتسن هذه الطاعة بغير دهاء وبغير سلطان أو مال أو عتاد، وتكاد صيحة يوان أن تكرر صيحة يوليان.

ولم ينفرد باقعة الصين بهذه الدهشة من فعل الزعامة القوية، فقد كانت دهشة مستشاريه الغربيين أعظم من دهشته، وجاء في كتاب برنارد مارتين عن الحمية العجيبة

Strange Vigour

أن الدكتور موريسون صاحب الفتوى الفقهية الاجتماعية التي سوغت ليوان اغتصاب العرش وقررت أن الملك أصلح أنظمة الحكم للصين، دعا إليه الدكتور جيمس كانتلي أستاذ سن ياتسن ساعة احتضاره وهمه أن يعترف له قبل مفارقة الدنيا بأنه قد جهل قوة سن ياتسن وعظمته الشخصية، وأنه لو كان عرفه حق معرفته لاتخذ تاريخ الصين مجرى غير مجراه، قال: وبودي لو يصبح اعترافي هذا معروفا للناس!

وتتجلى المكانة الهائلة التي رزقها هذا الرجل من نوادر لا عداد لها يقصها الأجانب والوطنيون ويتحدثون فيها عن الخاصة والعامة من قومه، وربما كانت كلمة المكانة أضعف من التعبير الصحيح عن هذه الخاصة العجيبة التي لا يرزقها جميع الزعماء، فلولا أنها مكانة ثقة أو محبة لكانت كلمة السطوة أحرى أن تدل عليها حق دلالتها، ولولا أنها سطوة روحية لما نجح بشخصه منفردا - كما روى الجنرال موريس كوين - في إقناع قائد جيش عاص بالارتداد مع جيشه وراء المدينة، تهدئة لروع السكان.

وتقدم من بعض الأخبار ما يشير إلى عادته المرعية في تحميل التبعات والمحاسبة عليها، فإنه لا يشهر العداء على أحد حتى يبرئ ذمته من تذكيره ونصحه، وجريا على هذه العادة أبرق بعد وفاة يوان إلى وكيله لي يوان هنج يحذره من تحدي الدستور ومجاراة طلاب الانقلاب الملكي وإعادة الإمبراطور الصيني «بوتي» إلى عرشه، وكان هذا الوكيل يتولى منصبه ويقيم بالعاصمة الشمالية بعيدا من سن ياتسن وأشياعه، فلما وصلت إليه البرقية تخلى عن منصبه وعن المنصب الذي أسندته إليه الحكومة الموقوتة، ولم يحفل بغضب القادرين عليه مرضاة للزعيم الذي يطارده الأقوياء ولا يكاد يأمن على رأسه.

ويعلم المتتبعون لتاريخ الصين الحديث أن الصلابة والعناد أبرز صفات القائد شيان كاي شيك خليفة سن ياتسن على زعامة الصين، ولم يكن شيان على وفاق مع أستاذه في كل موقف وكل خطة، فخالفه مرات ولم يخطئ دائما في هذا الخلاف، بيد أنه كان يخالفه وهو بعيد، ويروغ من لقائه كلما تسنى له أن يداري روغانه خجلا من مخاطبته وجها لوجه بالخلاف، ولم ينفرد شيان بهذا الأدب مع أستاذه العظيم، بل كان مثلا يحكيه غيره من تلاميذ الرجل أو معارضيه، فهم جميعا يتقون لقاءه بالمعاندة والمكابرة، ولا يجترئ عليه إلا من يجهله ويجترئ بسورة البهيمية الجامحة على كل مقام.

ومكانته هذه بين العامة من قومه هي التي قاومت طغيان يوان ومناوراته وأحابيله التي ينخدع بها الدهماء من كل أمة، فلما اجتمع مؤتمره وأجلسه على العرش ونشرت وثائقه في الصحف وعلى المنابر وبين جماهير المستمعين كان السؤال الذي يتردد على كل لسان: وماذا يقول سن ياتسن؟ وأين توقيعه مع الموقعين؟ ثم يوصد السائل أذنيه عن كل مقال!

Неизвестная страница