كانت الصين في حاجة إلى شعور يناقض هذا الشعور، كانت في حاجة إلى من يعلم أنها محتاجة إلى غيرها في كثير، وأن آفتها من جمودها على حالها واكتفائها بما عندها، وكانت الثورة باسم مملكة السلام السماوية صرخة مريض ولم تكن وصفة طبيب، فلما سكنت خيل إلى الكثيرين أن المريض ميت بعلته، ولكنه في الواقع كان ينتظر ثورة أخرى تجمع بين صرخة المريض ووصفة الطبيب، وتلك هي ثورة سن ياتسن باسم السيادة القومية، وجاءت هذه الثورة ترياقا صادقا؛ لأنها لمست الآفة في مكانها، آفة الاكتفاء يداويها العلم بالحاجة إلى كل شيء من الحضارة الحديثة.
الصدمة
كانت الصين كما تقدم مستريحة إلى كفايتها وعزلتها.
وكانت على خطأ مزدوج في هذه الراحة الموبقة، فلا هي مكتفية ولا هي قادرة على العزلة، ولو أنها شاءت أن تعتزل العالم لم يشأ العالم أن يعتزلها، فهي طالبة مطلوبة من حيث تجهل ما تطلبه وتجهل ما يطلب منها.
وكل صدمة كانت قمينة بإيقاظها من تلك الغيبوبة السادرة فهي خير وبركة، أيا كانت عواقبها، وأيا كان الثمن الذي تشتري به تلك اليقظة.
فلم تكن هناك عاقبة أشأم من بقائها على غفلتها والعالم يتقدم من حولها ويتحفز لابتلاعها.
نعم، لم تكن مطامع الدول المستعمرة نفسها أشأم من راحتها ومن غفلتها.
فقد شاء حسن الحظ لهذه الأمة الكبيرة أن المطامع فيها كثيرة متعددة، ولولا ذلك لضاعت في جوف دولة أو دولتين، وتأخرت يقظتها زمنا بعد القرن التاسع عشر، وربما مضى القرن العشرون وهي ضائعة عاجزة عن الاستقلال بسيادتها.
كانت مطمع الدول القريبة والبعيدة، فعلى مقربة منها اليابان والولايات المتحدة وروسيا القيصرية، وبعيد منها إنجلترا أو فرنسا وسائر الدول التي في غرب القارة الأوروبية، ولكنها كانت قريبة منها بمستعمراتها في آسيا الجنوبية وما جاورها.
وكل هؤلاء كانوا يطمعون فيها.
Неизвестная страница