============================================================
اجمون ثم قال الوزير الرابع : زعم مؤدبى أن رجلا موسرا من التجار كان يأوى الى بيت مبطن السقف ، وفيما بين ذلك السقف وبطانته فتران كثيرة ، فكن فيما شنن وادعين من الأمنة وتيسير الطعمة، يمرحن النهار كله على حال طمأنينة، فإذا جاء الليل نزلن من السقف ، فتفرقن فى مخازن التاجر ومساكن عياله، فاكلن واحتمان، فكثر اذاهن على التاجر ، وأنه دخل يوما مسكنه ذلك فاستلقى فيه مفكرا فى بعض اموره، ودخلت الفنران تمرح على بطانة السقف، والتراب يتساقط من خلل الالواح فضجر التاجر ونهض مبادرا ، فامر بتحويل ما فى البيت من الأثاث ثم أمر عبيده فوضعوا بطانة السقف ، وانتشر الفنران فى الدار فقتلن شر قتلة ، ولم ينج إلا جرذ(1) وفارة كانا غاثبين عن السقف ، فلما رجعا وأبصرا فساد وطنهما ومصارع الفتران فى جميع الدار راعهما ذلك واقبل الجرذ على الفار فقال لها : لقد صدق القائل : من صحب الدنيا واثقا بها كان كالنائم فى الظل الذى يكون قبل بلوغ الشمس إلى نصف دائرة فلكها الأعلى ، فيتقلص الظل بتصوب الشمس، فيوقظه حرها ولا يجد للظل عينا ولا أثرا.
فقالت الفأرة : صدقت فماذا ترى ؟
قال الجرذ : أرى أن لا أسكن بموضع ينال منه هذا المنال ، وأفر من الأنس جهدى، فإن هيجهم شديد وحيلهم امضى من قوة غيرهم من العوالم .
فقالت الفارة : أنا معك، فانطلقا حتى اتيا ارضا بوارا جرداء ذات أخلاط من الوحوش، تكتف(1) واديا معشبا فيه غران ماء ذات ضفادع وسلاحف .
فأعجبهما ذلك وسارا فى الوادى يلتمسان موضعا يحتفران فيه جحرا، وانتهيا الى ريوة عالية فى وسط ذلك الوادى قد انجاب(1) عنها مسيل الماء فيه يمينا الاوشمالا، فاحتفرا فى أصل تلك الربوة جحرا رضياه وأوطناه ، وأنهما عليا يوما (1) فأر نكر .
(2) تحيط .
(3) انشق وقطع.
Страница 90