Избранные листы из представительской поэзии у греков
صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان
Жанры
في هذه الحرب العنيفة التي تقع كل يوم بين هذه الإرادة الضعيفة تنكر ضعفها ولا تعترف به، بل تمضي فيما تحاول مغرورة مفتونة بما يظهر لها من قدرة وبين تلك الإرادة الهادئة المطمئنة لا تضطرب ولا تجيش وإنما تقدر فينفذ ما قدرت، وتقضي فيتم ما قضت، قد علمت ذلك واستيقنته، فهي تنظر ساخرة مرة ومشفقة مرة أخرى إلى الإنسان يمانعها ويدافعها من غير أن ينفعه ذلك أو يغني عنه شيئا.
أقول في هذه الحرب العنيفة بين هاتين الإرادتين تظهر الحياة الإنسانية في صور مختلفة من السطوة والجلال، ومن الكبرياء والغطرسة، ثم من الضعف والضآلة، ومن الخمود والاستسلام.
وكل هذه الصور صحيحة واقعة في كل وقت وفي كل قطر وفي كل طور من أطوار الحياة العاقلة، ليست بالمنتحلة ولا المتكلفة، وقد ألفها الناس واطمأنوا إليها وأصبحوا لا ينكرونها. بل أصبحوا لا يشعرون بها، ولا يقدرون لها وجودا. فإذا استطاع الشاعر أن يستعين بما أوتي من نبوغ على أن يمثل لهم هذه الصور تمثيلا يملك قلوبهم ويستهوي نفوسهم حتى يلمسوا بأيديهم ما في قوتهم من وهن وما في كبريائهم من غرور، فقد سلك بهم إلى الكمال الخلقي سواء السبيل. ذلك إلى ما يشتمل عليه هذا التمثيل من جمال وروعة فيهما للنفوس فتنة ولذة، وذلك هو الذي حاله أيسكولوس فوفق منه إلى كل ما كان يريد.
وفق إلى ذلك من غير أن يكلف الجمهور الذي يشهد تمثيله أو يقرأ قصصه عناء البحث والكد في حل المعضلات الفلسفية. بل من غير أن يحاول حل هذه المعضلات؛ فلن ترى قصة من قصصه تتعرض لتحديد ما بين القضاء والحرية الإنسانية من صلة، أو للتوفيق بينهما، أو لتفسير هذه الحركة حركة الإنسان في هذه الحياة ممانعة أو موافقة لهذه القوة القاهرة التي تدير العالم وتسيطر عليه.
لم يحاول شيئا من هذا، وإنما استعان الحقيقة الواقعة واتخذ منها طريقة للإقناع لا تثبت أمام منطق الفلاسفة ولكنها قادرة كل القدرة على أن تصل إلى القلوب فتحملها على الاطمئنان والرضى.
انظر إلى قصة الفرس كيف ابتدأها بالجوقة تتغنى مجد فارس وعظمتها، ولكنها تشفق من شر تتوقعه، من غير أن تتحقق كنهه. ثم كيف تقبل أم الملك متولهة مشفقة لحلم رأته، وكيف تشعر الملكة والجوقة بالشر وتحاولان اتقاءه واسترضاء الآلهة. وما هي إلا أن يأتي الرسول فينبئ بما دهم الفرس من كارثة وما أصابهم من هزيمة.
هنالك يصعقهما الخبر فتعولان وتشكوان وترثيان لمن مات وتألمان للأحياء ثم تشعران بالحاجة إلى تعرف سبب هذه الهزيمة والتعزي عنها فتستشيران طيف دارا: هذا الملك العظيم الذي قضى وجاور آلهة الجحيم فألم من الغيب بطرف.
ينبئهما هذا الطيف بأن مصدر نكبة الفرس إنما هو طغيان الملك الأعظم وعناده للآلهة وخروجه عن أمرهم. ثم يقبل هذا الملك نفسه خانعا ذليلا فيشتد بينه وبين الجوقة حوار ملؤه الحزن والألم يختمه الإذعان للقضاء والاطمئنان إليه.
ذلك دأب الشاعر فيما بقي لنا من آثاره التمثيلية يظهر الإنسان في أول قصته عنيدا قد ملأه الكبر وأعماه الغرور عن مواضع ضعفه ثم لا يزال بهذا العناد ينميه ويضاعفه حتى يبلغ به أقصاه. فإذا انتهى ببطله من الرفعة إلى هذه المنزلة أخذ ينحط به قليلا قليلا، حتى ينتهي به إلى الحضيض.
انظر إلى الجمهور الأثيني يشهد هذه القصص مرة في كل عام يسحره أولها فيمتلئ إعجابا ويزداد إعظاما لنفسه، ثم يفجؤه آخرها فيصغر ويرى ما قدر للإنسان في هذه الحياة من قوة لن تكون عاملة منتجة إلا إذا قصد صاحبها في استخدامها وتجنب بها الإغراق والإسراف.
Неизвестная страница