Суфизм: его возникновение и история
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Жанры
9
هناك طريقة أخرى تتمثل في الابتعاد عن نموذج التصوف، وتصور الصوفية بطريقة تتناسب على نحو أفضل مع مجموعة خصائصها المعقدة، وتجعلها أيضا أكثر قابلية للوصف التاريخي. فبالتقليل من فكرة الصوفية باعتبارها تصوفا لجماعة هامشية من السالكين، يرى المنهج المتبع في هذا الكتاب الصوفية باعتبارها «تقليدا» في المقام الأول من المعرفة القوية، والممارسات القوية، والأشخاص الأقوياء.
10
وكما ستوضح الفصول التالية، فإن الصوفية منذ لحظة ظهورها كانت متجذرة في نموذج إسلامي أوسع قائم على المعرفة الموثوق فيها، التي كانت تحظى فيها موافقة السلطة القديمة (سواء أكانت سلطة النبي محمد أم أولياء الله) بأهمية بالغة. وهذه الحساسية التاريخية شكلت جزءا كبيرا من التجارب التصوفية الصوفية من خلال المقابلات الرؤيوية التي لا تعد ولا تحصى، التي دونها الصوفيون مع الأولياء السابقين والأنبياء؛ تلك المقابلات التي أشبعت رغبتهم في ربط أنفسهم برواد تقليدهم السابقين.
11
يحظى هذا الارتباط بممثلي التقليد القدوة المحبوبين بأهمية كبيرة؛ فهو لا يوضح فحسب الاستراتيجية التي من خلالها تمكن الصوفيون من تقديم أنفسهم على نحو مقنع باعتبارهم الورثة الأحياء للنبي محمد، بل يوضح أيضا الطبيعة «الناظرة إلى الماضي»، الواضحة جليا لتعاليمهم التي ظهرت نتيجة لتلك الحاجة إلى موافقة السلطة القديمة والرغبة الوجودية في العودة إلى حالة الوجود البشري، التي كان يتمتع بها آدم والنبي محمد. وكما بين ستيفن تي كاتس على نحو فطن، فإن التجارب التصوفية ليست عفوية ومبتكرة، بل هي غالبا أفعال محافظة، ويمكننا أن نضيف أنها أفعال ساعية إلى الحفظ.
12
إن هذا الإدراك بأن كلمات وأفعال الصوفية متجذرة على نحو متعمد في تراث المسلمين الأوائل، ساعد أيضا في معرفة الطابع الإسلامي المتغلغل في الصوفية الذي ميزها - باستثناء حالات عالمية معينة - عن «التصوف» العالمي الذي صنفت ضمن فئاته في بعض الأحيان. وكما أوضح الباحث الفرنسي ماريجان مول ذات مرة، فحتى إذا تبنى الصوفيون دون علم، أو عن علم، مقومات من جماعات دينية أخرى، فإنهم «لم يأملوا مطلقا في أن يكونوا إلا مسلمين؛ فكل المعتقدات التي يؤمنون بها، وكل أفعالهم وعاداتهم وأعرافهم، قائمة على تفسير للقرآن والسنة النبوية».
13
هذه نقطة رئيسية؛ فلقد تطورت الصوفية كمجموعة تعاليم وممارسات ومؤسسات نشأت مع تفكر المسلمين - من القرن التاسع فصاعدا - في تراث حياة النبي محمد، التي تمثل القدوة الأولى، ولحظة نزول الوحي بالقرآن. وفي محاولات نقل الصوفيين لمعرفة وراحة وسلطة الله (وأنبيائه وأوليائه) إلى حياتهم الخاصة والعامة، بنوا تقليدهم أولا من خلال تأمل حياة النبي، وفترة نزول الوحي عليه، ثم تأمل تعاليم وأفعال من رأوا أنهم أولياء الله، والذين بدورهم أعادوا ربطهم باتحاد النبي مع الله. إن «أولياء الله» الصالحين الكثيرين، الذين ظهروا في كل قرن، هم من أنشئوا التقليد الذي نطلق عليه الصوفية، سواء أكان من ناحية النصوص التي كتبوها، أم الطقوس التي وضعوها، أم الطرق التي أسسوها. وباستثناء بعض الصياغات الحداثية للصوفية، فمن دون هؤلاء الأولياء لا توجد صوفية.
Неизвестная страница