Суфизм: его возникновение и история
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Жанры
5
إن نموذج التصوف هذا - التوجيهي وليس الوصفي - مثل في بعض الأحيان معتقدا في حد ذاته. وعند تطبيق ذلك النموذج على سياقات ثقافية أو زمنية أكثر بعدا عن مكان نشوئه، فإنه يميل إلى انتقاد أو استبعاد كثير من الأمور المفترض أن يفسرها. وفي حالة الصوفية، طال هذا الاستبعاد أو الانتقاد أبعادا كثيرة مهمة في التاريخ الصوفي لم تلائم نموذج السالك المنفرد الذي يسعى إلى الله؛ مثل الطرق الصوفية الهرمية، والطقوس المعقدة المتعلقة بالتوسل بالأولياء للتأثير على قرارات السلاطين.
إلا أنه على النقيض من فكرة الغرب عن التصوف، فقد كانت جوانب كثيرة من الصوفية جماعية وعلنية، وليست فردية وخاصة. فتوضح محورية العلاقة بين الشيخ أو المرشد (المعلم) والمريد (التابع)، التي بدت أنها حجر الأساس في الممارسة الصوفية، أن الممارسات «التصوفية» مثل تدمير الأنا لم تكن نتيجة تجارب خاصة من الاتصال المباشر مع الله، بل كانت عمليات اجتماعية قائمة على علاقة توجيهية مع طرف ثالث بشري. ومع نمو حجم الطرق الصوفية، أصبحت هذه العلاقات (والتحولات الاجتماعية والنفسية المشتركة التي تدعمها) أكثر شيوعا؛ بحيث أصبحت آثارها أكثر انتشارا وجماعية. وفي كثير من المناطق حول العالم، أسفر ذلك عن تحويل الصوفية نظم السلطة الاجتماعية إلى نماذج سلطوية، تناولها بالدراسة عبد الله حمودي، عالم الأنثروبولوجيا المولود في شمال أفريقيا.
6
وبالإضافة إلى إهمال مفهوم التصوف للجانب الاجتماعي، فقد قلل أيضا من الجانب المادي، واضعا الصوفية على نحو صارم في نطاقات الروحانية، في حين أن الصوفيين كانوا منغمسين في نطاقات المادية الملموسة بالقدر نفسه، بداية من طقوسهم الجسدية وتقديسهم لآثار الأولياء، وحتى مباني الأضرحة خاصتهم، والقدرات المباركة التي يعتقدون أنها موجودة فيهم. وإلى حد كبير، لم تكن الصوفية «تصوفا» عاما قائما على التجارب الدينية المتاحة على نحو ديمقراطي للجميع، بل كانت في كثير من الأماكن تجسيدا للإسلام السلطوي القائم على القدرات المباركة المتوارثة من خلال أنساب مرموقة؛ ولهذا السبب، عرف أحد علماء الأنثروبولوجيا شيوخ الصوفية بأنهم: «الأشخاص الذين يتدفق في دمهم (المدون في سجل أنسابهم) بركة النبي محمد.»
7
كذلك، يميل مفهوم التصوف إلى الارتباط بالأمور العفوية وغير المتدرب عليها، بدلا من الأمور المنهجية والسياسية. غير أن الكتب القديمة عن الممارسة الصوفية أظهرت اهتماما كبيرا بمسائل آداب السلوك والطقوس التعبدية. والصوفيون ليسوا على الإطلاق روادا «طليعيين» روحانيين زاهدين؛ فقد كانوا في كثير من المناطق أطرافا سياسية أساسية استمتعت بأسباب الراحة المكتسبة من الأراضي الشاسعة المملوكة لهم، ودعم جيوش أتباعهم المخلصين. ومن خلال سلسلة من التطورات التي يتتبعها هذا الكتاب، أصبحت الصوفية سلطوية ومعادية للفردية على نحو كاف، لدرجة أنه في العصر الحديث أدت النزعات الداعية إلى الديمقراطية والفردية بين المسلمين إلى هجر ملايين منهم لتعاليم الصوفيين.
بالإضافة إلى ميل نموذج التصوف إلى تضييق النطاق والتوجيه، فإنه يثير أيضا تحديات معينة عند كتابة التاريخ؛ فلو كان جوهر الصوفية - كما هو الحال بالنسبة إلى التصوف - يكمن في التجربة الخاصة المتسامية، لاضطر المؤرخون حتما إلى تسجيل قشورها الخارجية التافهة فقط من خلال النصوص والمؤسسات والأفعال. توجد بالتأكيد طرق مختلفة للتعامل مع هذه المعضلة؛ تتمثل إحدى هذه الطرق (والتي اتبعها على نحو بالغ الدقة الباحث الفرنسي هنري كوربين) في الحفاظ على نموذج التصوف من خلال استخدام منهج ظواهري (فينومينولوجي) في التعامل مع الوثائق التاريخية، في محاولة ل «إعادة تقديم» الشخصية الداخلية للتجارب التصوفية الماضية على نحو مفسر.
8
طبق هذا المنهج الظواهري بدرجات وأساليب متعددة في عدد من الكتب التمهيدية الناجحة للصوفية.
Неизвестная страница