Суфизм: его возникновение и история
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Жанры
ومن الأسباب التي جعلت الترمذي يحظى بأهمية كبيرة في ذاكرة الأجيال اللاحقة، حقيقة أنه استطاع أن يترك طابعه الخاص على التاريخ من خلال كتابة سيرته الذاتية؛ تلك السيرة التي تعتبر أمرا غير لائق بالنسبة إلى المسلمين في فترة ما قبل العصر الحديث، بل تعتبر أيضا متناقضة على نحو شديد مع القيود المهينة للذات، التي وضعها معاصروه من الملامتية والكرامية.
71
وعلى غرار الصوفيين البارزين في بغداد، فقد حفظ الترمذي القرآن في سن مبكرة، وأجاد دراسة الفقه الإسلامي والحديث، وزار كذلك البصرة ومكة. وعلى غرار «كتاب المواقف» للنفري في العراق في الجيل اللاحق، فإن سيرة الترمذي المكتوبة بالعربية تصور تجاربه الرؤيوية الخاصة بتفصيل مدهش، بداية بحلمه بالنبي محمد وهو يدله على الطريق في مدينته.
72
الأمر الأكثر إثارة في سيرته الذاتية هو طريقة وصف الأحلام التي رأت فيها زوجة الترمذي وأصدقاؤه المرتبة الروحانية العالية التي وصل إليها؛ بحيث قدمت أحلام الآخرين باعتبارها دليلا من طرف ثالث على مكانة الترمذي كولي، وهذه وسيلة يبدو أنها كانت ردا على منتقديه الكثيرين الذين نعرف أنهم كانوا موجودين في مدينته. في الواقع، فيما يتعلق بتقديم مصادر أساسية للتكوين اللاحق للتقليد الصوفي، كان الترمذي في غاية الأهمية بسبب تطويره للنظرية الرسمية المعروفة باسم نظرية «الولاية».
في «كتاب سيرة الأولياء» استخدم الترمذي الأسلوب التصنيفي نفسه الذي رأيناه في معالجة الصوفيين في بغداد لمقامات وأحوال الطريقة الصوفية، وعمل فيه على تصنيف وترتيب الطبقات والأنواع المختلفة لأولياء الله؛ فقدم فكرة أنه مثلما يوجد «خاتم الأنبياء» (وهي المكانة التي يحتلها النبي محمد)، فإنه يوجد أيضا «خاتم الأولياء» (وهي مكانة يبدو أن الترمذي نفسه احتلها). وعلى الرغم من أنه سلم بأن الأنبياء ما زالوا أعلى مكانة من الأولياء، فإن الأولياء من الناحية العملية لم يمتلكوا فحسب معظم صفات الأنبياء الخارقة للطبيعة، بل أصبح لزاما أيضا - بسبب انتهاء النبوة بالنبي محمد بصفته خاتم الأنبياء - أن يهتدي البشر الآن بالأولياء الأحياء. إلا أن وجود الأولياء على الأرض ليس الهدف منه مساعدة أتباعهم، بل ليؤدبوهم ويعاقبوهم؛ فالولي هو «موضع نظر الله المتسامح، وسوطه في خلقه.»
73
وفي كتابات الترمذي، نرى أن مزاعم التجربة الرؤيوية لم تكن مجرد شهادات عن الخلاص الشخصي، بل كانت أيضا دليلا بني عليه نموذج هرمي على نحو صارخ للبشرية وقادتها الشرعيين.
لقد تكونت حركات الكرامية والملامتية والحكماء بعيدا عن بغداد على نحو كاف؛ بحيث استمرت قائمة بذاتها حتى القرن الحادي عشر، قبل دمجها وقمعها فعليا مع انتشار الحركة الصوفية شرقا من خلال تأسيسها لمواقع ارتكاز وإعدادها لدعاة لها في خراسان. ولدراسة كيف حدثت عملية التنافس والدمج هذه، يجب أن نلتفت إلى أحد الأزمنة والأماكن الأخرى المهمة في التاريخ الصوفي؛ ألا وهو مدينة نيسابور في الفترة ما بين القرن العاشر والقرن الثاني عشر.
74
Неизвестная страница