Суфизм: его возникновение и история
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Жанры
53
ومن الراجح إلى حد كبير أن صوفيي بغداد لم يتأثروا كثيرا بمعتقدات الآخرين، وأنهم أدركوا (لا سيما الجنيد) أن هذا الرجل الجامح البسطامي لن يساعدهم في قضيتهم بين أوساط النخبة المثقفة الحضرية. وإذا كانت الفكرة التي روجها الصوفيون المتأخرون، القائلة بأن أبا يزيد والجنيد أسسا مدرستين مختلفتين هما مدرسة «السكر» ومدرسة «الصحو»؛ مبالغا فيها على نحو مؤكد، فإننا يمكننا على الأقل رؤية الاختلافات الناشئة عن طريق الاتجاهات العقائدية والأنماط السلوكية.
54
مرة أخرى، نذكركم بأن الصوفيين لم يكونوا مجرد متصوفين يبنون تعاليمهم على التجربة المتسامية، بل كانوا أيضا مفكرين عامين يشاركون في الجدالات البارزة في زمنهم. كانت الأعمال المكتوبة التي تركها لنا الصوفيون الأوائل عبارة عن إنتاجات خطابية تكونت من اشتراكهم في الجدالات الشفهية واقتباساتهم من المراجع المكتوبة، إلا أنها كانت أيضا نتيجة لمحاولات ربط كلمات هذا الخطاب وأفكاره بالتجارب الفردية بطريقة توضح تلك التجارب، لكنها ترفض (على الأقل في حالة المحافظين مثل الجنيد) أن تسمح لهذه التجارب الخاصة بزعزعة الأسس الشرعية والسياسية للحياة الاجتماعية الجمعية. واتباعا لهذا التوسط الحكيم، فقد كان الجنيد حذرا في مناقشة موضوع أولياء الله. وعلى غرار التستري، كان الجنيد يرى أن هذه النخبة موجودة بالفعل، وتحظى بسلطة على عوام المسلمين العاديين. إلا أن الجنيد رأى أن الصحو المقترن بحالة «البقاء» في الله جعل الصوفي المتحقق متشابها خارجيا مع عالم الشريعة:
إنه أحد الخبراء في الشريعة، والحلال والحرام، ومن أفضل العارفين بكل الأمور المتعلقة بالإسلام. إنه يسير على خطى الأنبياء ويتبع أسلوب حياة الأولياء والصالحين، ولا يضل ويتبع البدع (تلك البدع التي لاقت قدرا من الرواج في الإسلام على الرغم من كونها مناقضة له)، ولا يمتنع عن قبول التقليد الإسلامي المجمع عليه ... ويرى أنه لا بد من طاعة المرجع، وإلا فإنه سيعزل نفسه عن جماعته. ويرى أن التمرد على المرجع من أفعال الجاهل ...
55
إن هذا الموقف المحافظ لا يعني أن مسيرة الجنيد كانت خالية من الخلافات، لكن بدلا من أن نرى أن تطوير الصوفيين الأوائل لطريقتهم كان معارضا في جوهره للمدافعين عن الشريعة والدين الإسلامي الحنيف، يجب أن ندرك أنه لم يكن هناك اتفاق إلا على أمور قليلة (حتى إنه كان هناك اختلاف كبير حول الطرق التي كانت تتشكل الشريعة من خلالها). وفي سياق كون فيه المدافعون عن فكرة المجتمع المسلم المتماسك بفضل الالتزام بالسنة النبوية مفهوم «الإجماع» (أي الموافقة الجماعية للعلماء) باعتباره نوعا من أنواع السلطة القائمة على شبه المساواة؛ حاول الجنيد التوفيق بين فكرة السلطة المأخوذة من العلاقة الخاصة مع الله التي يتبناها نخبة الأولياء، وبين التيار الفكري السني الناشئ. فمن خلال تصرف أولياء الله تماما مثل بقية أفراد طبقة العلماء، وعدم مخالفة إجماعهم، سيكون دورهم مقتصرا فقط على نصح الناس بالوفاء بالتزاماتهم الاجتماعية والشرعية العادية، وعدم الإخلال بها. لم يكن الصوفيون من أمثال الجنيد متصوفين منعزلين ومستغرقين في تأمل ذواتهم، بل كانوا مشاركين فاعلين في تكوين المجتمع الإسلامي؛ ومن ثم اشتركوا في جدالات عامة عنيفة تدور حول العلاقة بين السلطة والمسئولية، والسلوك والرضا. لكن وكما سنرى عندما نتناول بعضا من معاصري الجنيد الأقل تبنيا لمبدأ الصحو، سنجد أن تجربة الشعور بالقرب من الله وما تتضمنه من شعور بالاختيار الإلهي لم تكن في كل الأحوال سهلة الترويج. (7) الحلاج البغدادي (المتوفى عام 922)
أشهر صور هذا التوتر الناشئ بين السلطة القائمة على الإلهام الشخصي والسلطة القائمة على الإجماع، هو ما نراه في حياة حسين بن منصور، المعروف بالحلاج (وكلمة حلاج تعني الشخص الذي يندف الصوف).
56
ولد الحلاج في جنوب إيران حوالي عام 857، وأصبح تابعا للتستري، ثم لشيخ صوفي آخر في البصرة يدعى عمرو بن عثمان المكي قبل التحاقه بحلقة الجنيد في بغداد. يبدو أنه كان عاجزا عن الالتزام بأن يصبح مريدا لأي من هؤلاء الشيوخ؛ ربما بسبب أنه كان يطمح في جذب أتباع لنفسه. لقد كان الحلاج كثير الترحال للغاية حتى مقارنة بأكثر معاصريه ارتحالا؛ فلم يتجول عبر إيران فحسب، بل وصل أيضا إلى أقاصي التوسعات الإسلامية في آسيا الوسطى والهند. في هذه الرحلات اختفى الحلاج من آفاق التوثيق التاريخي المحدودة، لكنه معروف لنا على نحو أساسي من خلال وجوده في عاصمة الأدب والفكر في العالم الإسلامي في هذا الوقت؛ حيث أثار جدلا كبيرا حول آرائه في بغداد، وأعدم هناك في النهاية عام 922. ومثل بقية ضحايا الفكر، كان إعدامه تتويجا لمسيرته؛ إذ ضمن تخليده على يد كثير من كتاب السير الذاتية والشعراء الصوفيين في القرون اللاحقة، الذين سيتذكرونه فيما بعد باعتباره شهيدا عظيما أعدم بسبب الحديث عن حقيقة الحب الإلهي.
Неизвестная страница