Суфизм: его возникновение и история
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Жанры
عند التحدث عن قوة الصوفيين، يجب أن نميز بين ثلاثة أنواع رئيسية من القوة التي سنرى اكتسابهم إياها في الفصول التالية؛ وهذه الأنواع هي: القوة الخطابية، والقوة الإعجازية، والقوة الاقتصادية. تشير القوة الخطابية إلى السلطة التي حصلت عليها الصوفية كخطاب يتضمن مجموعة مشروعة من الكلمات والمفاهيم، والنماذج المجتمعية والكونية المؤثرة، والنماذج السلوكية والخلقية التي يقتدى بها. كان خطاب الصوفية نفسه أحد مقومات التقليد؛ لأنه استمد سلطته من ربط نفسه بالقرآن والسنة؛ وهي النموذج النبوي الذي قدمه النبي محمد. إن القوة الخطابية التي اكتسبتها الصوفية من ربط نفسها بالسنة الحنيفة تشير إلى الطريقة التي لم يقتصر فيها دور الصوفية على كونها نوعا من التجارب أو حتى المعتقدات، بل كانت فيها خطابا له القدرة على تشكيل أفعال الآخرين من خلال تقليدهم للنماذج القدوة التي يقدمها. وبإبعادنا عن التركيز على التجربة التي لا وسيط فيها في نموذج التصوف، فإن هذه القدرة القوية على تشكيل السلوك والتصرف كانت أيضا من مقومات التقليد، من حيث قدرة التقاليد على تعزيز «أنماط أو صور للتصرفات»، وكذلك «المعتقدات التي تتطلب أو تزكي أو تنظم أو تبيح أو تحظر إعادة القيام بتلك الأنماط.»
18
النوع الثاني من القوة الذي سنعرض كيفية اكتساب الصوفيين له، هو القوة الإعجازية، التي تتمثل في قدرتهم - حسبما يرى الكثيرون - على اجتراح المعجزات والعجائب نتيجة لقربهم الخاص من الله. يرى إيه جيه آربري وكثير من المعلقين المسلمين الإصلاحيين في القرن العشرين أن هذا التعاطي الكبير مع الجانب الإعجازي مثل «الجانب المظلم من الصوفية في مرحلتها الأخيرة»، عندما «كان تأثيرها في أكثر فتراتها انحطاطا شرا بالكامل.»
19
إلا أنه في دراسة تاريخية مثل هذه يجب أن يكون الهدف هو الوصف والفهم بدلا من الوعظ. وعلى الرغم من أن نموذج تصوف القرن العشرين المتحرر علميا من الأوهام والبروتستانتي الثقافة يفرق على نحو قاطع بين التصوف وصانعي المعجزات، فإن الحقيقة التاريخية للأمر هي أن زعم الصوفيين المتعلق بصنع المعجزات كان غير قابل للانفصال عن زعمهم القرب التصوفي من الله. مرة أخرى، إن الأولياء الذين كونت أقوالهم وأفعالهم التقليد الصوفي هم من يجب أن يكونوا محور الاهتمام؛ فالمتصوف البارز هو الذي يصنع المعجزات. وعلى الرغم من أنه دائما ما كان يظهر المسلم العادي الذي يتحدى قدرة الصوفيين على إظهار تلك القدرات، فإنه - كما توضح الفصول التالية - كان يوجد عدد أكبر من الأشخاص - بداية من السلاطين والتجار وحتى الفلاحين ورجال القبائل - الذين سعوا إلى الاستفادة من هذه القدرات، من خلال تكوين علاقات مع الصوفيين. ونظرا لأن هذه العلاقات، سواء فيما يتعلق بالمحتالين أو الملوك، كانت عادة علاقات تتلمذ، فإن القدرة على اجتراح المعجزات تحولت بدورها إلى سبيل للتأثير الاجتماعي.
إن البناء على هذا التأثير الاجتماعي ودعمه نتج عنهما ثالث أنواع القوة التي اكتسبها الصوفيون، ألا وهو القوة الاقتصادية. فلقد بدأ الصوفيون البارزون، بداية من فترة العصور الوسطى، في تلقي هبات كبيرة (وهائلة في حالات قليلة) من الأراضي والعقارات من المريدين المنتمين إلى الطبقة الحاكمة، وكذلك تلقي عطايا نقدية أو عينية أقل من الأتباع الأقل غنى. وعلى الرغم من حديث هؤلاء الصوفيين البارزين المطول عن الزهد، فإن أشكال تبادل العطايا هذه وضعتهم ضمن النخبة الضئيلة المميزة في المجتمعات ما قبل الصناعية، التي كانت الصوفية نشطة فيها حتى العصور الحديثة. في هذا الصدد أيضا، نرى عمل الصوفية كتقليد؛ لأن الحاجة إلى نقل الأملاك عبر السلالات الأسرية جعلت الورثة الماديين للصوفيين الأقوياء اقتصاديا هم في الوقت نفسه ورثة التقليد الصوفي؛ لذلك ورثت السلالات الأسرية الصوفية الأملاك إلى جانب التعاليم والقدرات المباركة. ونظرا لأنه لا يمكن أن يوجد أي شكل من أشكال المعرفة القوية بمعزل عن أشكال القوة المادية، فقد كانت القوة الاقتصادية للصوفية مهمة للصورة العامة التي اكتسبتها؛ ولذلك أصبحت القوى الخطابية والإعجازية والاقتصادية للصوفيين في حالة اعتماد متبادل في نهاية المطاف. وإذا كان هناك يوما اتجاه لاعتبار ظهور امتلاك هذه القوة انتقاصا من ورع الرسالة الصوفية، فيمكن الرد بأن رؤية التاريخ الديني من هذا المنظور المحمل بالمعتقدات الشخصية رؤية عاطفية ورومانسية. في هذا الصدد أيضا، من المفيد النظر للصوفية باعتبارها تقليدا؛ لأنه لا يوجد تقليد يستطيع مطلقا الاستمرار وتكرار نفسه عبر الزمن دون الاستعانة بالموارد المادية التي تقيم البيوت، والمقررات المالية لتأليف الكتب وممارسة الطقوس، ودعم الأتباع الذين يكونون «التقليد» «الذي يتوارث.»
ومقارنة بالكثير من الأعمال السابقة التي تناولت الصوفية، إذا كان تحويل التركيز هنا نحو القوة والتقليد يوحي بتحول هوبزي، فإن هذا على الأرجح إجراء تصحيحي ضروري؛ إذ إن تلك الرؤية المتعلقة بوجود تقليد قوي تجعل زيادة أتباع الصوفية أمرا مفهوما على نحو أكبر، وكذلك الحال بالنسبة إلى المعارضة التي أثارتها على نحو متزايد مع تزايد تأثيرها، سواء أكانت من السلطات الدينية المنافسة في فترة العصور الوسطى، أم من بناة الدول في أوائل العصر الحديث، أم من الإصلاحيين المسلمين في العصر الحديث. ففي نهاية المطاف، القوة والنفوذ والامتياز هي التي أدت إلى ظهور استراتيجيات الاستحواذ والدمج والمعارضة التي كثيرا ما أعاقت مسيرة الصوفية. وإذا كانت الفصول القادمة ستسلط الضوء على الصوفيين، بوصفها تأريخا للصوفيين وليس لمنافسيهم، فإنه يجب النظر إلى عرضنا لبعض منافسيهم على أنه يعكس المكانة العالية التي اكتسبها الصوفيون، الذين زعموا أنهم «القطب» أو المحور الذي يدور حوله الكون كله. (3) من السياقات إلى الخصائص: تعريف الصوفية
عند تقديم نبذة عن الخصائص الأساسية للصوفية، من الضروري في مثل هذه الدراسة التاريخية الإشارة أولا إلى أن الوصف التعريفي، الذي نحن بصدد قراءته، ظهر على نحو تدريجي فحسب من خلال سلسلة من التطورات التي أتتبعها في الفصلين الأول والثاني. وبعد قبول هذا التحذير التاريخي، يمكننا الآن تقديم تعريف أساسي للصوفية بوصفها تقليدا قويا من المعرفة والممارسة الإسلاميتين يحقق القرب من الله أو الوساطة لديه، ويعتقد أنه متوارث عن النبي محمد من خلال ورثته من الأولياء الصالحين الذين تبعوه. ومنذ بداية ظهور الصوفيين، نادرا ما اعتبروا أنفسهم سوى مسلمين. ومع زيادة نفوذ التقليد الصوفي، وبالنسبة إلى أعداد كبيرة من المسلمين، بدا أن الإسلام لا يمكن فصله عن الصوفية. وعلى الرغم من أن العرف يمنع ذلك، فقد يكون من الأفضل الحديث عن «الإسلام الصوفي» بدلا من «الصوفية»؛ إذ باستثناء بعض المجموعات الخارجة عن الأعراف، فإن الصوفيين في العموم اتبعوا أساليب التقليد الإسلامي، فواظبوا على الصلاة التي تعد العبادة الأساسية التي تمارس كل يوم، وأدوا صيام شهر رمضان المعظم، والتزموا بكافة أنواع الأحكام الشرعية المتبعة في مجتمعهم. والأكثر أهمية أنهم اتبعوا كذلك مجموعة من الممارسات النافلة، أهمها: ذكر الله الذي كانوا يؤدونه بطريقة إنشادية؛ و«المراقبة» وهي تأمل جوانب مختلفة من النفس والله؛ و«الإحسان» وهو إثراء الفضائل الأخلاقية من خلال اتباع «الآداب» (قواعد السلوك) الشرعية؛ و«الصحبة» أي التفاعل المحترم مع شيوخهم. واستخدمت بعض مجموعات من الصوفيين (لكن ليس كلها على أي حال) ما يعرف ب «السماع»؛ أي الاستماع الطقسي للموسيقى والشعر كوسيلة للوصول لما يعرف ب «الأحوال»، وهي حالات النشوة التي تجعلهم أكثر قربا من الله أو من الأولياء الصالحين.
لطالما شدد الصوفيون على ضرورة القيام بكل هذه الممارسات تحت إشراف شيخ مرشد تلقى هذا التقليد؛ ومن ثم فهو (من الناحية النظرية على الأقل) سلك هذا المسلك من قبل. وعلى نطاق واسع، اعتبرت الطاعة الكاملة للشيخ من أساسيات حياة الصوفي. ومنذ فترة العصور الوسطى، جمع هؤلاء الشيوخ والمريدون أنفسهم في جماعات تعرف ب «الطرق»، ومثلت هذه الطرق القنوات المفاهيمية - والمؤسسية في نهاية الأمر - عبر الزمان والمكان، التي ساهمت في تأسيس الصوفية كتقليد يعتبره أتباعه التراث السري للنبي محمد. مثلت طقوس الالتحاق بإحدى هذه «الطرق» وما يصاحبها من «بيعة» - أي تعهد بالولاء للشيخ - اكتساب الشخص الرسمي لصفة المريد. وعلى الرغم من أن طقوس الالتحاق تلك كانت غالبا ما تمارس من قبل مسلمين بالغين ساعين إلى التنوير الروحاني، فإنه من الناحية العملية خضع كثير من المسلمين لتلك الطقوس وهم أطفال؛ كي يتأكدوا من حصولهم على الحماية الاجتماعية والروحانية لشيوخهم في مسارهم عبر الحياة.
من الناحية النظرية، إن الهدف من الالتحاق بطريقة صوفية ما هو إلا تعلم ممارسات الآداب والذكر والمراقبة المتوارثة من شيوخها؛ بهدف الوصول إلى «فناء» النفس (أي الذات الدنيا) الذي يقود إلى «بقاء» الروح (أي الذات العليا). تلك التجارب يراها الصوفيون باعتبارها «مقامات» (أي محطات) في رحلة الصعود إلى الله، ويعتقدون أنها تمنحهم سلطة توجيه المسلمين الآخرين؛ أي توبيخهم أو حتى معاقبتهم. إن زعم المرور بهذه المقامات أثناء الطريق إلى الله يعني أن هؤلاء الشيوخ الكبار اعتبروا أولياء الله أثناء حياتهم وبعد مماتهم. أما الذين يحظون بأكبر قدر من التبجيل والهيبة من هؤلاء الشيوخ، فقد اعتبروا أنهم «برازخ» حية بين العالم البشري والعالم الإلهي (أي في مكانة وسطى)، ويعملون كوسطاء بين المؤمن العادي والهرمية السماوية المكونة من الأولياء والأنبياء والله.
Неизвестная страница