Судан
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Жанры
وفي 29 نوفمبر وصلنا إلى ليجومي على شاطئ بحيرة تانا الجنوبي، والتقينا هناك ببعض رجال قبيلة وايتو الذين جاءوا إلينا بثلاثة أرماث، فاتجهنا أولا إلى الغرب لنرى مصب نهر أباي الصغير.
وفي اليوم التالي ذهبنا شرقا بالأرماث، وبلغنا جزيرة باك التي هي أكبر الجزر في البحيرة، وتكاد تكون مستديرة، وقطرها ثلاثة أميال، وهي مسطحة ولا تزيد أعلى نقطة فيها على ثلاثين قدما فوق سطح الماء، والبعوض كثير فيها، وتبدو من البر كأنها أرض مكسوة بالغابات، ولكنها ليست كذلك لأن ثلاثة أرباعها ستستخدم للزراعة، وفيها كثير من الأشجار الكبيرة، ومعظمها من أشجار التين المسماة «ورقة».
وقيل لنا: إن في الجزيرة خمس كنائس فزرنا اثنتين منها، وعند ذلك مرض الترجمان، فلم يكن لي بد من التوقف عن الرحلة والعودة به مسافة خمسة أيام إلى منزله، ثم سافرت نحو أسبوعين إلى جلايات على حدود السودان للبحث عن ترجمان جديد، فجئت به وعدت لإكمال رحلتي مخترقا في طريقي أقاليم لم ترسم على الخريطة، واجتزت أعالي أنهر رهاد ودندر وبالاس، وهي من روافد النيل، وتحققت أن المراكز التي أعطيت لها على الخريطة مملوءة بالخطأ، وقد رسم نهر بالاس في موضع يبعد ثلاثين ميلا عن موضعه الحقيقي.
وعدنا إلى جزيرة داك في 9 مارس لنكمل رحلتنا في البحيرة، فزرنا الكنائس الثلاث الباقية. ولكل كنيسة قرية تحيط بها، ويسمح للنساء بالإقامة في الجزيرة. والعمل الوحيد الذي يعمله الأهالي هو الزراعة. وتكثر في الجزيرة الأشجار التي من نوع التين، وفيها زهور ونباتات مختلفة، ورأينا فيها جرذان الحقول، وأمسكنا اثنين من نوعين مختلفين لكي يساعدانا على درس عمر الجزيرة. وتحيط بالجزيرة نباتات من القصب، وقد وجد الأهالي فيها أفاعي عظيمة وقتلوا سبعا منها. •••
زرنا جزيرة جبران الواقعة في الزاوية الجنوبية الشرقية من البحيرة، وفيها كنيسة باسم الملاك جبريل، وقبر للإمبراطور تكلا جيمنوت (سنة 1706-1708): والكنيسة قائمة على بعد 12 عمودا من الحجر في شكل مستدير ، ولها جرسان أحدهما من الحجر الأصم والآخر من الخشب، وهناك أيضا جرس من النحاس عليه كتابة باللغة الجعزية. ويتولى رياسة الدير راهب شيخ يشغل منصبه منذ 45 سنة، وقد أرانا من الكتب بقدر ما سمح لنا الوقت، ولا شك أن في مكتبة دير أكريت كثيرا من الكتب التي تستحق البحث، وقد نقلت كتب عديدة من الكنائس المجاورة في البر إلى هذه الجزيرة في أزمنة الاضطرابات لجعلنا في مأمن.
وبعد ذلك عبرنا المنطقة التي يمر بها النيل الأزرق خارجا من البحيرة، وفيها أغوار يحجبها البردي. وقد تساقطت عليها حمم بركانية تألف منها سد طبيعي غير مجرى النيل الأزرق القديم، فتألفت من هذا السد بحيرة تانا، ورأينا الماء يجري من شلال شارا - شارا فوق ذلك السد الذي يضبط مستوى مياه البحيرة.
وعلى الشاطئ الشرقي صف طويل من الجزائر التي لم يكن لنا بد من زيارتها، وأولاها وأهمها جزيرة ريمة التي فيها كنيسة مضحاني عالم. ومن الكتب التي وجدناها فيها كتاب يحتوي على أسماء الملوك من آدم إلى منليك الأول فملوك زغوه، ولعل القائمة تتصل بالملك الحالي. فلم يسمح لنا الوقت إلا بنقل جزء منها، فنقلت الجزء الذي يبدأ من منليك وينتهي بملوك زغوه. ووجدت كتابا آخر اسمه تاريخ مريم، ولكن لم أجد فيه تاريخا، ووجدت صورا مثلثة الأضلاع كان التكوين والفن في بعضها حسنا، وهي رسوم العذراء مريم وطفلها يوسف.
ونصبنا خيمة على فم نهر غمارة؛ لكي نستطيع أن نخصص يوما كاملا لزيارة جزيرة تانا قرقوس، وكنت قد سمعت من الناس حكايات عن تلك الجزيرة جعلتني أتوقع اكتشافات جديدة فلم يخب أملي. وقد اصطدنا هناك أضخم سمكة، وقد بلغ وزنها 28 رطلا، ويروي الناس حكايات عن وجود حيوان بحري عظيم في البحيرة، فأعلنت أني أدفع جائزة عظيمة لمن يصطاد حيوانا كهذا ويأتي به إلي؛ فبادر الأهالي إلى الاصطياد. ولكن لم يستطع أحد أن يحصل على الجائزة.
وتتصل جزيرة تانا قرقوس بالبر بطريق صخرية في زمن هبوط البحيرة فتصبح كأنها شبه جزيرة. ويقال: إن تابوت العهد بقي فيها مدة طويلة عندما جيء به من القدس قبل نقله إلى أقسوم. ولكن لم أجد في المخطوطات ولا في المراجع الموثوق بها ما يؤيد هذه الرواية. ويقال أيضا: إن أول كاهن لهيكل الكنيسة هو عزرا بن صدوق - رئيس كهنة أورشليم في عهد سليمان - وإنه رافق منليك الأول عندما جاء بتابوت العهد. ورأيت وعاء من المعدن كتبت عليه كتابة سيئة يبلغ طول الحرف فيها قيراطا. وعلى مقربة من الكنيسة ثلاثة أعمدة من الحجر في حجم مستدير على شكل المذابح اليهودية، وعليها عصا الكهنوت التي جاء بها فرومنتيوس، وفي رأسها صليب، وقد أسس الكنيسة (أبراها) و(أسبيها) الملكان اللذان حكما معا، ولكن السر واليس بدج يظن أن المقصود هو عزانا ملك أقسوم الذي اكتشفت كتاباته باليونانية والإثيوبية والسبئية وترجمت. وروى فيها أخبار انتصاراته وشكر آلهته عليها، ولكنه سلم في حكاية حملته الآخيرة بأن رب السماء الموجود في السماء وعلى الأرض، والذي هو أقوى من أي شيء موجود قد ساعده. ولم يذكر عزانا أسماء آلهة أخرى. فكانت هذه الرواية سببا للحكم بأن عهد ملكه كان في أول عهد دخول المسيحية إلى الحبشة.
على أن اكتشاف كنيسة أسسها أبراها وأسبيها في جزيرة تانا قرقوس وثلاثة مذابح يهودية يعلوها صليب ووعاء عليه كتابة سبئية لا يمكن أن يكون مصادفة واتفاقا. وفي هذه الجزيرة كتب يجب أن يفحصها رجل اختصاصي. وأحدها نسخة من «كتاب الأسرار»، وقال ناقلها عن نفسه إن اسمه جبريل ولد بطريق، وإنه كتب هذه النسخة في دبرة قدوس حيث يوجد دير عربي يدعى دير أنطونيوس سنة 983 بعد الشهداء. وقد ترجمت من اليونانية إلى العربية، وبقيت باللغة العربية 315 سنة، ثم ترجمها سليق إلى اللغة الجعزية. ويقول الرهبان: إن جزيرة تانا قرقوس كانت تسمى دبرة ساحل يوم كان اليهود هناك. وبما أن ليس لدينا دليل على أصل اسم ذلك الدير كان من المحتمل أن هيكل بحيرة تانا سمي باسم النجم كانوبوس الذي يسمى بالعربية سهيل.
Неизвестная страница