وكان الرجال يرون الحياء أشرف خلال النساء والرجال، وفي هذا يقول أبو تمام:
يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
إذا لم تخش عاقبة الليالي
ولم تستحي فافعل ما تشاء
أما اليوم فالوقح صاحب العين البلقاء هو الظافر بحاجته كما قال بشار بن برد؛ لأنه لا يفرق بين حلال وحرام، تستحي الأرض التي يمشي عليها مما يلطخ به وجهها من مخازيه، أما هو فلا يندى له وجه ...! ومن أين للوجه اليابس أن يندى؟! ألم تسم العوام مثل هذا الوجه الناشف وجها من عظم؟!
الوجه زهرة لطيفة تأخذ نضارتها من ماء الحياء، والحياء في المحيا كالجوهر في صفحة السيف والدرة في التاج، تكتسب منه جمالا، وكالورق والثمر للغصن الأملود، فالغصن إذا عري من كليهما بدا كريها في العين بعيدا عن القلب، وقد قال الشاعر: «ولا خير في وجه إذا قل ماؤه.»
إنا لفي زمن قد خلع فيه الكثيرون العذار، فاستباحوا الحرمات وعبثوا بالأمانات التي طالما اعتد الشرق بالحفاظ عليها، فإذا نظرت رأيت شبابا يربضون على أبواب المعابد كالهررة يترصدون هذه وتلك، فيبسمون للجميلة ويعبسون بوجه القبيحة، ويلقون في طرق المخدرات المحصنات شباك نظرات مريبة وقحة، حتى صرت تحسب المعبد معرضا للنساء، أو «سوق حرج».
Неизвестная страница