وإذا سألنا أستاذا منا: ما هو هدفك يا صاحب من تعليمك؟ أجاب: أصطبغ باللون المحلي؛ فأنا لاتيني عند اللاتين، وأمريكي عند الأمريكان، وسكسوني عند السكسون، ولبنان العروبة على الله ...!
الاستيطان يمنح الحجل لون تربة البقعة وصخورها ، وهكذا مدارسنا الرسمية؛ فهي مسيحية إذا كان المحيط مسيحيا، وإسلامية إن كان إسلاميا، وهكذا قل: أرمنية ويهودية ...
إننا نتشبث بلقب التربية لا لشيء سوى أنها هكذا سميت عند غيرنا، كما لم أسم مارون إلا لأني ولدت يوم عيد ذلك القديس.
إن مهمة التوحيد عندنا شاقة، ونحن لسنا نطلبه كاملا؛ لأن دولا كثيرة لم تحققه بعد، فخير لنا أن نسمي هذه الوزارة جمعية خيرية أو أخويات متحدة، تصلي لله لأجل الوطن الحائر وبألسنة عديدة كتلاميذ المسيح حين حل عليهم البارقليط في علية صهيون ...
لقد أصبحت الوظائف والمعاهد عندنا «سيامة وعمادا»! فمتى مسحناه بزيت «الواسطة» المقدس أمسى مكرسا، أما سميناها جامعة لبنانية وهي دار معلمين؟ أما كان يجب أن يكون المشرف عليها من ذوي الكفاءات النادرة والشهادات الرفيعة؟ ومع ذلك سميناه وصار، واليوم ها هو يسعى ويحاول أن يسيطر على مقدرات البلاد الروحية والقومية علنا؛ لأننا سكتنا امتثالا ومجاملة ...
كانت غاية مدارسنا العتيقة أن تخلق منا أناسا تقرأ وتكتب - واللغة كما يقرر علماء النفس أخطر عناصر التربية القومية - فخرجنا قارئين كاتبين، أما اليوم فالقراءة معدومة، وأساتذتنا يضيقون صدرا بتعليم لغتنا العربية؛ فمن قائل بترك الأصول وعدم الاكتراث بها، ومن قائل باللغة العامية، ومن داع إلى الكتابة بالحرف اللاتيني، وسبب ذلك هذه المناهج الموضوعة لنيل الشهادات لا أكثر، فالفرق بيننا وبين طلاب اليوم أننا تعلمنا لنعرف، واليوم يتعلمون ليطبقوا المنهاج.
كانوا يقولون فيما مضى: «فلان يطبق المفصل.» واليوم يقولون: «طبق المنهاج وأخذ بكالوريا.» فهي مفتاح الأعمال وإن كانت بارودة فاضية!
شعر العرب أن لكل إقليم خاصة، فقالوا في شعر ابن أبي ربيعة حين كان يقرزم الشعر: شعر حجازي تحس فيه البرد في تموز. أما لبنان فيدرس بنيه ما هب ودب! ولا عجب في ذلك فالمخلوطة أكلة لبنانية ...
عندما اجتمعنا لترميم منهاج البكالوريا عام 1932 كان مستشار المعارف المسيو كوانته يتجه دائما في اختيار من كتبوا عن الشرق من أدباء الفرنجة، أما أعضاء «مجلس المعارف الأعلى» البلديون فكان لا يعنيهم في اختيار أدبائنا إلا نعراتهم الطائفية.
لست أتوقع حدوث العجائب إذا عدل المنهاج، فمثل هذه المناهج - وخصوصا منهاجنا - يقتل قوة الاستنباط والاستقلال العقلي، فلا يهم شبابنا إلا اجتياز المحنة بسلام ... إن التفكير يصير التقليد والممارسة صالحين للزمان والمكان، فمن تراه يفكر في إبداع ما يتفق وميول أبنائنا وطموحهم؟ الدنيا تتغير وتتحول ونحن ثابتون كالشمس، صامتون كالأرض، مع أن هدف التربية خلق إنسان جديد لحياة جديدة.
Неизвестная страница