محدثَ البلد، ويخرج الدارقطنيُّ مقرئَ البلد، فخرجت أنا محدثًا والكتانيُّ مقرئًا» (١) .
وقد ألَّف في القراءات كتابًا مختصرًا موجزًا، ذكره الخطيب البغدادي وقال عنه: «جمع الأصولَ في أبوابٍ عقدها أوَّلَ الكتاب، وسمعتُ بعض من يعتني بعلوم القرآن يقول: لم يُسبَق أبو الحسن إلى طريقَته التي سلكها في عَقْد الأبواب في أوَّل القراءات، وصار القُرَّاء بعده يسلكون طريقَتَه في تصانيفهم ويَحْذُون حَذْوَه» (٢) .
ولم يكن الدارقطنيُّ محدِّثًا ومُقْرِئًا فحسبُ، بل كان فقيهًا أيضًا، يقول الخطيب البغداديُّ في ذكره العلومَ التي تضلَّع منها الدارقطنيُّ سوى علمِ الحديث: «ومنها المعرفةُ بمذاهبِ الفقهاء، فإن كتابَ «السُّنَن» الذي صنَّفَه يدلُّ على أنه كان ممَّن اعتنى بالفقه؛ لأنه لا يَقْدرُ على جمع ما تضمَّن ذلك الكتابُ إلا من تقدَّمَت معرفتُه بالاختلاف في الأحكام، وبلغَني أنه درس فقهَ الشافعيِّ على أبي سعيد الإِصْطَخْري، وقيل: بل درسَ الفقه على صاحبٍ لأبي سعيد، وكتب الحديثَ عن أبي سعيدٍ نفسه» (٣) .
وقد كان للدارقطنيِّ عنايةٌ بمذهب الإمام الشافعيِّ، مع معرفةٍ بمذاهبِ الفقهاء، حيثُ عدَّه بعضُ من صنَّفَ في طبقات الشافعيَّة منهم. قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة: «والدارقطنيُّ هو أيضًا يميل إلى مذهب الشافعيِّ وأئمَّة السنة والحديث، لكن ليسَ هو في تقليد
_________
(١) "المنتظم" لابن الجوزي (١٤/٣٨٠) .
(٢) "تاريخ بغداد" (١٢/٣٤- ٣٥) .
(٣) "تاريخ بغداد" (١٢/٣٥) .
1 / 14