فالصّحابة ﵃ علّمهم أعْظَمُ معلِّم، وقرؤوا على يديه أعظم كتاب، وسمعوا منه أحسن الحديث. وكان ﷺ حريصًا على تعليمهم وهدايتهم كما قال تعالى: ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)﴾ [التّوبة] بل كان حريصًا على هداية الكفّار، قال تعالى: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ... (٣٧)﴾ [النّحل].
دعوى عدم الأخذ بالسُّنَّة لأنّ جلّها بالرأي لا بالوحي
هذه دعوى باطلة يرمي أصحابها إلى تعطيل العمل بالسُّنَّة، ويبرّرون دعواهم بأحاديث أشهرها ما رواه مسلم عن أنس: " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِقَوْم يُلقِّحون، فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ. قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ، فَقَالَ: مَا لِنَخْلِكُمْ؟ قَالُوا: قلت: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلمُ بأَمْر دُنْيَاكُمْ " (^١).
والجواب عن هذه المسألة يسير؛ فنصوص القرآن تشهد على حُجِّيَّة السُّنَّة، ومنها قوله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)﴾ [آل عمران]، وقوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ... (٨٠)﴾ [النّساء] وقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٧)﴾ [الحشر] وهذه النّصوص وغيرها تدلّ دلالة قطعية على حُجِّيَّة السُّنَّة.
والسّنّة عندنا بمرتبة القرآن من حيث أنّها وحي، أمّا إذا كانت باجتهاد منه ﷺ فإنَّ الله لا يُقِرُّه على اجتهاد خطأ، فيأتيه الوحي بالإقرار أو بالتّصحيح، وعلى ذلك فالسّنّة مردّها إلى الوحي.
وقد تقدّم قول النَّبيِّ ﷺ: " والذي نفسي بيده ما يخرج ممّا بينهما إلاّ حقّ " (^٢) وما دام