ومما يشهد بحسن سياسته مع رعيّته مقولته المشهورة: " لا أضعُ سيفي حيث يَكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أنّ بيني وبين النّاس شعرة ما انقطعت. قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنْتُ إذا مَدُّوها خلَّيْتُها، وإذا خلُّوها مددتُها " (^١).
ومّما يشهد بعدله وإنصافه أنّ قومًا كانوا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال الأعمش: " فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: يا أبا محمّد، يعني في حلمه؟ قال: لا والله، ألا بَلْ في عدله " (^٢).
وقد ثبت عن الزّهري أنّه قال: " عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطّاب سنين لا يَخْرم منها شيئًا " (^٣) فيا ليت لنا رجالًا ملء الأرض من أمثال معاوية ﵁ ولكن:
هيهات لا يأتي الزمان بمثله ... إنَّ الزمان بمثله لبخيل!
وممَّا يشهد بعلمه وفقهه، ما أخرج البخاري عن ابن أبي مُليْكة، قال: " أوتَرَ مُعاوية بعد العِشاء بركعة وعنده مولى لابن عبّاس، فأتى ابنَ عبّاس، فقال: دعْه فإنّه قد صحبَ رسولَ الله ﷺ " (^٤).
وما أخرجه البخاري عن ابن أبي مُليْكة، قيل لابن عبّاس: " هل لكَ في أمير المؤمنين مُعاوية، فإنّه ما أوتر إلاّ بواحدة، قال: إنّه فقيه " (^٥) وحَسْبُ مُعاوية شهادة ابن عبّاس له بالصّحبة والفقه، ولله درّ القائل:
عاب التّفقّه قومٌ لا عقولَ لهم ... وما عليه إذا عابوه من ضَرَر
ما ضرّ شمس الضّحى والشّمس طالعة ... أن لا يَرى ضوءها مَنْ كان ذا بصر
(^١) ابن قتيبة " عيون الأخبار " (م ١/ص ٦٢).
(^٢) أبو بكر الخلال " السّنّة " (ج ٢/ص ٤٣٧/رقم ٦٦٧).
(^٣) أبو بكر الخلاّل " السّنّة " (ج ٢/ص ٤٤٤/رقم ٦٨٣) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(^٤) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٤/ص ٢١٩) كتاب أحاديث الأنبياء.
(^٥) المرجع السَّابق.