فقال عليّ: نَعم أنا أولى بذلك، بيننا وبينكم كتاب الله. قال: فجاءته الخوارج - ونحنُ ندعوهم يومئذ القُرَّاء - وسُيُوفُهم على عواتقهم، فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، ما تنْتَظرُ بهؤلاء القوم الّذين على التَّلِّ؟ ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتّى يحكم اللهُ بيننا وبينهم؟ فتكلَّمَ سهلُ بن حنيف، فقال:
يا أيُّها النَّاسُ، اتَّهموا أنْفسَكم، فلقد رأيتنا يوم الحديبية - يعني الصّلح الّذي كان بين رسول الله وبين المشركين - ولو نرى قتالًا لقاتلنا، فجاء عمر إلى رسول الله، فقال: يا رسول الله ألسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ أليس قَتْلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟ قال: بلى، قال: ففيم نُعطي الدّنيةَ في ديننا ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم، فقال: يا بن الخطّاب إنّي رسول الله ولن يضيعني أبدًا ... " (^١).
نعم، هذا ما حدث، لمّا رأى سَهْل بن حُنَيف كراهة أصحاب عليّ التّحكيم، وليس كراهة عليّ للتحكيم كما يزعمون، خطبهم ووعظهم بأن يتّقوا الرّأي في دينهم، وأعلمهم بما جرى في صلح الحديبية من كراهة أكثر النّاس الصّلح، ومع هذا أعقب هذا الصّلح خيرٌ عظيمٌ.
وروى مسلم عن أبي وائل، قال: " قام سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ يوم صفّين، فقال: " أيّها النّاس، اتّهموا أنْفُسَكُم، لقد كُنّا مع رسول الله ﷺ يوم الحُديبيَة، ولو نرى قتالًا لَقاتَلْنا، وذلك في الصُّلح الّذي كان بين رسول الله ﷺ وبين المشركين ... " (^٢).
فالحديث يُفهم منه أنَّ معاوية وعليًّا ﵄ كانا يرغبان في التّحكيم والصّلح لما سَيُفضي إليه الصّلح من خير، لكنّ بعض أصحاب عليّ ﵁ كرهوا ذلك، وهم الخوارج.
(^١) أحمد " المسند " (م ١٢/ص ٣٩٩/رقم ١٥٩١٧).
(^٢) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّوويّ" (م ٦/ج ١٢/ص ١٤٠) كتاب الجهاد والسّير.