وأثناء تناول الطعام كان يقف وراء كل ضيف من ضيوف ستالين خادم خاص يتولى تلبية كل طلب يصدر منه، وكان ستالين يختار الذين يتولون الخدمة على مائدته من بين قدامى الجنود الذين اشتركوا في المعارك وأبلوا فيها بلاء حسنا ... ولكنهم كانوا يتقنون عملهم إلى أبعد حد، ولا يختلفون عن الخدم الذين يعملون في أكبر الفنادق وأشهرها.
واعتاد ستالين ألا يبارح المائدة بعد الطعام، بل كان يبقى مع ضيوفه أكثر من ساعة وهو يتبادل معهم الأحاديث المختلفة.
وبعد تناول القهوة تبدأ مرحلة الأحاديث الهامة، وكان يقدم لضيوفه مع القهوة أنواع الفطائر الصغيرة المصنوعة بالملح، وبعد القهوة يقبل الخدم وهم يحملون كئوس الفودكا التي لا مفر من شربها بوصفها الشراب القومي الروسي!
وإذا انتهت القهوة والفودكا بقي الضيوف في انتظار إشارة تصدر إليهم من رئيس التشريفات لكي يدعوهم إلى القيام ومغادرة المائدة، وقد يستبقي ستالين أحدهم أو بعضهم إذا شاء، لكي يوجه إليه حديثا خاصا.
ولم يحدث أن باح أحد قط بأسرار هذه المحادثات الليلية الخاصة التي كانت تبدأ عادة بعد العشاء، وقد تستمر حتى ساعات الصباح الأولى ...
إن ستالين كان يفضل هذا الوقت من الليل لمعالجة المشاكل السياسية، وإجراء ما يريد من مباحثات خاصة، ولقد عرف على وجه التأكيد أن أخطر القرارات التي اتخذها في حياته جاءت وليدة المباحثات والمداولات الخاصة التي تمت بين منتصف الليل وفجر اليوم التالي. (24) ستالين والحرب العالمية الثانية
كان ستالين قد تعلم شيئا هاما من المذابح وعمليات التطهير الواسعة التي قام بها ... لقد تعلم وأدرك مدى تأثير قوة الرأي على عقول الناس؛ ولذلك فقد رأى أن يستغل أسطورة خلود مبدأ «اللينينية-الستالينية»، وطلب من كل كاتب وشاعر وموسيقي ورسام في الاتحاد السوفييتي أن يخصص جهوده كلها لنشر هذه الأسطورة وتأكيدها وتثبيتها في عقول الناس عن طريق التكرار المستمر.
وهكذا أطلق اسمه على أعلى قمة في روسيا، كما أطلق اسمه أيضا على 15 مدينة روسية على الأقل، وعلى عدد لا يحصى من المصانع والشوارع، وطبعت ملايين النسخ من كتبه ومؤلفاته، وأطلق على معدن جديد اكتشف في روسيا اسم «الستالينايت»، كما تعلم الأطفال في مدارسهم أن يقولوا كل صباح قبل أن يبدءوا دروسهم: «شكرا لستالين على هذه الحياة السعيدة!»
واستمرت هذه الأسطورة في إعمال أثرها حتى عام 1939 عندما نشبت الحرب العالمية الثانية، وعقد هتلر اتفاقيته مع روسيا، ولكن هذه الأسطورة لم تمنع الجيش الألماني من اكتساح الحدود الغربية لروسيا قبل أن ينقضي عامان على التحالف الألماني الروسي، وفي أربعة شهور كان الألمان قد وصلوا إلى ضواحي موسكو وليننجراد .
وقد كان من أسباب نجاح الألمان في هذا الغزو اندحار مئات من قواد روسيا الذين كانوا يكرهون ستالين وتسليم 4 ملايين روسي من الجنود الفلاحين، ولكن في ذلك العام أيضا تدخل الحظ وجاء الشتاء حليفا صادقا لستالين ولروسيا، كما فعل قبل ذلك بمائة وثلاثين عاما عندما غزا نابليون موسكو فرده نفس الشتاء القاسي مدحورا.
Неизвестная страница