وقد قامت بعض النزاعات في داخل الحزب الشيوعي الروسي في الأعوام الواقعة بين 1929 و1934، وبدا بعض التذمر بين الناس، وإن لم يكن بدرجة خطيرة، وقد ظهر أنه لم يكن من الممكن تنفيذ السياسة الصناعية والزراعية الجديدة، وهي سياسة فيها مبالغة كبيرة للخطوط التي كان قد رسمها وأوصى باتباعها تروتسكي ... نقول: إنه ظهر أنه لم يكن من الممكن تنفيذ هذه السياسات تحت قيادة بوهارين وتومسكي وريكوف.
وفي صيف عام 1928 بدت بوادر الخلاف بينهم وبين ستالين، وحدث في شهر يوليو من ذلك العام أن قابل بوهارين كامنيف، وكان كامنيف مغضوبا عليه، وأبدى بوهارين لكامنيف استنكاره لسياسة ستالين وأساليبه.
وفي الجلسة العامة التي عقدتها اللجنة المركزية للحزب في شهر نوفمبر عرضت آراء بوهارين الخاصة بالسياسة الاقتصادية فرفضت قبولها ووصمتها بالانحراف والمهادنة.
وفي شهر يناير من عام 1929 عرف سر الحديث الذي دار بين بوهارين وكامنيف للمسئولين، فعزل في شهر فبراير من منصب رئيس تحرير جريدة «برافدا»، وفي نفس الوقت طرد تومسكي من عضوية اتحاد النقابات بعد أن عزل أولا من منصب الرئاسة. وفي شهر يوليو طرد بوهارين من مكتب الكومينترن، وتقرر سحب كتبه ومؤلفاته التي نشر فيها نظرياته من السوق، وفي شهر نوفمبر طرد من المكتب السياسي.
ويلاحظ أن الزعماء «اليمينيين» الثلاثة لم يكن لهم أي نفوذ في داخل الحزب، بخلاف المعارضة «اليسارية» التي قامت في عام 1926؛ ولذلك فإن أملهم في التمكن من معارضة ستالين أو الوقوف في وجهه كان معدوما، وربما كان هذا هو السبب فيما ظهر من الرفق في معاملتهم في الأعوام التالية، واستمر المسئولون في استشارتهم في السياسة الاقتصادية والمشاكل الإدارية. •••
وهكذا استتب الأمر لستالين، وأصبحت زعامته كاملة تامة لا يمكن أن تلقى أي معارضة أو تحد من داخل الحزب، وقد ظهرت في الأعوام التالية بعض حركات المعارضة، ولكن الستار أزيح عنها بسهولة، ولم يكن قادة هذه الحركات الذين أصدروا منشورات ينتقدون فيها ستالين من أتباع زينوفييف، ولا من أتباع كامنيف، ولكنهم كانوا ممن عرفوا بأنهم أذناب السكرتير العام، ومع ذلك فقد اتخذت العقوبات التي أنزلت على مدبري هذه المنشورات ذريعة لنفي زينوفييف وكامنيف إلى سيبيريا من أكتوبر سنة 1932 إلى مايو سنة 1933، ولتوجيه اللوم الشديد إلى ريكوف وتومسكي.
وتميز عام 1934 بتحسن الأحوال الاقتصادية، وتخفيف حدة الضغط السياسي، وكان أمل الحصول على نظام مخفف القيود مقترنا باسم كيروف سكرتير الحزب عن دائرة ليننجراد، وكان في ذلك الوقت هو الرجل الثاني في الدولة بعد ستالين، ولكن حدث في ديسمبر من عام 1934 أن قتل كيروف هذا، ولم يكشف قط عن الظروف الغامضة التي أحاطت بهذه الجريمة، وكان طبيعيا أن ينسبها ستالين إلى تروتسكي وزينوفييف في حين اتهم التروتسكيون ستالين بمقتل كيروف.
أما الرواية الثالثة، وقد تكون أقرب الروايات إلى الصحة؛ فهي أن مقتل كيروف كان نتيجة بغضاء شخصي.
وقبض على زينوفييف وكامنيف بعد ارتكاب هذه الجريمة، كما قبض على بعض أتباعهما المعروفين وأتباع تروتسكي، وعلى عدد كبير من عمال مصانع ليننجراد. وفي يناير من عام 1935 قدم زينوفييف وكامنيف للمحاكمة السرية أمام محكمة تتكون من بوليس أمن الدولة، وحكم عليهما بالسجن لمدة طويلة، واتخذت بعد ذلك إجراءات مشددة للمحافظة على الأمن، كما شددت الرقابة على أعضاء الحزب، ولكن مع ذلك ظل عدد المقبوض عليهم محدودا.
وفي عام 1936 كان ستالين يفكر في تخفيف بعض القيود التي تحيط بالنظام، وأراد أن يختبر الرأي العام، فاتخذ الإجراءات لتنظيم مناقشات ومناظرات عامة بين الجماهير حول مسألتين كانتا تشغلان الرأي العام وقتئذ وهما: مشروع الدستور الجديد، ومشروع القانون الخاص بحظر الإجهاض.
Неизвестная страница