ولكن الذي يحدث أن الكلمات وحدها هي التي تعرف، بوصفها ألفاظا. أما محتواها الفعلي فلا نعرف عنه شيئا،
12
ويضيف «ياسپرز» إلى هذا النقد عنصرا آخر هو أن التصورات الأساسية لدى اسپينوزا ليس لها طابع الوضوح الذي تتسم به التعريفات والبديهيات الهندسية،
13
وأخيرا فإن «أوبرڨك» يوجه إلى المنهج الهندسي النقدين السابقين، ويضيف إلى ذلك أن اسپينوزا، على عكس إقليدس، لم يكن متسقا مع نفسه في استخدام ألفاظه؛ إذ كان أحيانا يستخدم الألفاظ في أول الحجة بمعانيها المألوفة، ثم يستخدمها في آخرها بمعانيه هو الخاصة، ولا يصل إلى النتيجة التي يطلبها إلا بمثل هذا الخلط المنطقي.
14
فهل غابت هذه الحقائق كلها عن ذهن اسپينوزا؟ وهل بدأ كتابه في «الأخلاق» بوضع تعريفات مسلم بها، تتضمن في ذاتها كل النتائج التالية لمذهبه، دون أن يدري أنه يخالف بذلك أساس المنهج الهندسي كله لأنه افترض مقدما كل ما يطلب البرهنة عليه؟ إن معالم فلسفة اسپينوزا تتحدد كلها من تعريفاته الأولى للجوهر والصفة والله، فهل غابت عنه حقيقة المنهج الهندسي إلى هذا الحد، أم أنه كان يدرك ذلك، ولكنه استخدم «طريقة العرض الهندسية» لتحقيق أغراض أخرى «غير هندسية» كانت في ذهنه؟ وإذا كان هذا صحيحا، فما هي هذه الأغراض؟
إن «ولفسون» يعلل استخدام المنهج الهندسي بأنه راجع إلى وضوح هذا المنهج من حيث هو طريقة تعليمية، ومن حيث إنه أداة لنفع القارئ. وهكذا يقول: «لقد استخدم المنهج الهندسي دائما لنفع القارئ، وللوضوح الذي يمكن به عرض الحجة في هذا المنهج، لا لأن المذهب الفلسفي ذاته يقتضيه.»
15
ونحن نوافق على الشطر الثاني من هذا الرأي؛ لأن محتوى مذهب اسپينوزا في رأينا لا يقتضي حتما التعبير عنه بالمنهج الهندسي، ولكنا نرفض بكل قوة الشطر الأول، بل إنا لندهش من صدور مثل هذا الحكم الساذج من باحث مثل ولڨسون. وحسبنا أن نحتكم إلى الواقع نفسه، لنجده يكذب هذا الرأي؛ فهل شعر أي قارئ بأن المنهج الهندسي قد نفعه، أو يسر فهمه لاسپينوزا؟ إن الجميع، ومنهم معظم الشراح المحترفين، يشكون من تعقد كتابة اسپينوزا بهذا المنهج، الذي يقتضي من المرء تركيزا شديدا، ورجوعا دائما إلى قضايا وبراهين سابقة، حتى ليعجز الذهن في كثير من الأحيان عن تتبع الحجة، فمما لا شك فيه أن مهمة القارئ، نتيجة لهذا المنهج، تغدو أصعب بكثير مما لو كان الكتاب قد عرض بأسلوب مسترسل. ولكم يشعر المرء بالارتياح أثناء قراءته لكتاب الأخلاق، كلما صادف إحدى هذه «الملحوظات » الطويلة الرائعة التي يعرض فيها اسپينوزا أفكاره بطريقة مباشرة غير هندسية، وأستطيع أن أقول: إنني لم أجد كاتبا واحدا، من بين جميع من قرأت لهم، يقول: إن المنهج الهندسي يسر عليهم فهم اسپينوزا، فكيف يقول ولفسون، بعد هذا كله، إن المنهج الهندسي قد استخدم «لنفع القارئ»؟
Неизвестная страница