ففي رأي «فوير
Feuer » أن تفكير اسپينوزا قد مر بثلاث مراحل يمكن أن تعد متميزة: الأولى هي مرحلة الشباب التي اشترك فيها في جمعيات كانت دينية رسميا، ولكن كانت لها في ذلك الحين رسالة سياسية واجتماعية ثورية لا شك فيها، وعندما اقترب من سن الثلاثين، أخذ على هذه الجمعيات، ولا سيما «المينونية» عزلتها وسلبيتها، فبدأ يشترك علميا في سياسة بلاده، واحتل مكانه بين المدافعين عن النظام الجمهوري، وانتقل إلى لاهاي، وألف كتاب «البحث اللاهوتي السياسي » ليدافع عن النظام الجمهوري السائد، وبعد حوادث عام 1672م، التي قتل فيها الأخوان «دي ڨيت»، وهزم فيها النظام الجمهوري وعادت ملكية أسرة أورانج، أصبح يميل إلى التشاؤم، وضعفت ثقته بالديمقراطية واتجه تفكيره إلى محاولة إيجاد مكان للإنسان الحر في ظل أي نوع من أنواع الحكم.
15
وعلى العكس من ذلك يشير «ماكيون
Mkeon » إلى صعوبة القول بتطور تاريخي لتفكير اسپينوزا: إذ إن اسپينوزا كان يراجع مؤلفاته ويعدلها مرارا وعلى فترات زمنية طويلة، حتى كان الواحد منها يمتد سنوات طويلة في مرحلة الإعداد والتنقيح وحدها. كما أن تواريخ هذه المؤلفات تتداخل إلى حد يستحيل معه نسبة كل منها إلى فترة معينة. وهكذا يستنتج أن تطوره قد اتخذ شكل تعميق لأفكاره السابقة وليس إنكارا لها، وأنه كان في كل مرحلة جديدة يسير في نفس الاتجاه الأساسي، وإن يكن تفكيره يتخذ صورة مختلفة في كل حالة.
16
وهذا الرأي الأخير هو في رأينا الأصح؛ فرأي «فوير»، حتى لو صح، له نطاق محدود؛ إذ إنه لا يتعلق إلا بتطور التفكير السياسي لاسپينوزا. ورغم أن اهتمام «فوير» بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في تفكير اسپينوزا اهتمام مشكور؛ لأن الكثيرين غيره من الكتاب قد أهملوها إلى حد مؤسف، فما زال تفكيره النظري والأخلاقي لا يجد مكانا في هذا الإطار الذي وضعه لتطوره الفكري، كما يلاحظ أن المرحلة الأولى، التي يتحدث عنها فوير، لم يظهر فيها إنتاج مميز لها، وبالتالي لا نستطيع أن نحكم على تفكير اسپينوزا فيها على نحو واضح.
ومن جهة أخرى؛ فقد لاحظنا من قبل أن تأليف كتاب «الأخلاق» قد عاصر حياة اسپينوزا الفكرية الناضجة كلها تقريبا، ولو تأملنا مجموعة رسائله لوجدنا في أول رسالة يكتبها اسپينوزا نفسه (الرسالة رقم 2 ردا على أولدنبرج ) تعريفات للجوهر والله والصفة
attribute
والحال
Неизвестная страница