Marranos » وهم يهود إسبانيا الذين اضطروا، تحت ضغط الحكام، إلى إخفاء دينهم الحقيقي واعتناق الكاثوليكية مؤقتا، ثم عادوا إلى كشف حقيقتهم عندما سنحت لهم فرصة الهجرة. وكان أبو اسپينوزا «ميخائيل» تاجرا ميسور الحال، لديه شركة تجارية، لا بأس بها، كما كانت له مكانة مرموقة في الجالية اليهودية المشهورة بأمستردام.
وقد تلقى اسپينوزا تعليمه في المدرسة التلمودية المحلية بأمستردام؛ إذ ألحقه بها أهله لكي تتوثق ارتباطاته بطائفته اليهودية بتعلم لغتها العبرية وتراثها. ومما لا شك فيه أن هذا العمل لم يحقق إلا نتيجة عكسية؛ إذ إن الطابع اللاهوتي المحافظ لتعليمه في هذه المدرسة قد دفعه إلى الثورة عليه، فضلا عن أن أهله قد اضطروا إلى البحث عن معلمين آخرين له، لكي يدرس لغات العلم الحديث، ولا سيما اللاتينية، وكان أشهر هؤلاء المعلمين ڨان دن إنده
Van den Ende
الذي كان معلما وطبيبا في أمستردام، وبلغ حظا كبيرا من الشهرة، حتى إن أكبر أسر أمستردام كانت تعهد إليه بتعليم أبنائها، ويذكر «كوليروس» في ترجمته لحياة اسپينوزا أن هذا الأستاذ كان يلقن تلاميذه، إلى جانب اللاتينية، شيئا آخر هو تعليمات الإلحاد. وربما كان ذلك حكما مبالغا فيه، غير أن الأمر الذي لا شك فيه هو أنه كان من النفوس الثائرة على التقاليد، وأن اسپينوزا تأثر بثورته هذه منذ صباه.
ولم تكن الطائفة اليهودية في أمستردام تخلو من أمثلة لمفكرين ثاروا على رجعية التراث الديني المحافظ، الذي فرضه ربانيو هذه الطائفة عليهم، بل لقد كانت هذه الطائفة تتناقل أنباء شخصيات مشهورة عرفت بثورتها على الجمود والتعصب الديني في ذلك العصر. ومن أشهر هذه الشخصيات أورييل داكتوستا
Uriel Da Costa
الذي كان ينتمي إلى الجيل السابق على اسپينوزا، وقد وقف في وجه رجال الدين المحافظين في طائفته، وكان هو الذي بدأ بحركة تفسير الكتب المسيحية واليهودية المقدسة تفسيرا تاريخيا، وأنكر خلود النفس. ولا شك في أن كتب اسپينوزا قد مضت إلى أبعد من ذلك بكثير، ولكن لا بد أن اسپينوزا كان في ثورته بادئا من حيث انتهت شخصية «داكوستا» المتحررة التي سبقته بجيل واحد.
فماذا كان موقف الطائفة اليهودية في أمستردام من مفكر متحرر مثل داكوستا؟ لقد طردته مرتين في مجمعها، ولقي نتيجة ذلك الطرد ألوانا شتى من الاحتقار والمذلة؛ فكان اليهود يبصقون في وجهه ويلقون على بيته القاذورات والجيف. واحتمل الرجل ذلك كله سبع سنوات كاملة، كان قد استسلم خلالها مرة لأعدائه، وطلب الغفران، ولكن حملات الكراهية والتعذيب استمرت رغم ذلك، حتى لم تعد أعصابه تحتمل، فأعلن توبته وطلب المغفرة للمرة الثانية، ولكن السلطات الدينية اليهودية لم تكتف بذلك، وإنما طلبت إليه أن يعترف أمام جمع غفير بذنوبه وخطاياه، ففعل، ثم جلد أمام هذا الحشد تسعا وثلاثين جلدة تتخللها قراءات تستنزل اللعنات عليه، وأخيرا طلب إليه أن يركع أمام باب المعبد، فمر الجمع من فوقه إمعانا في إذلاله.
وكان ذلك أكثر مما تحتمله أعصاب الرجل، فعاد إلى داره وهو في أشد حالات النقمة والسخط، وكتب رسالة سجل فيها كل ما مر به، ثم أطلق على نفسه النار فمات لساعته. وكان اسپينوزا في ذلك الحين في سن الثامنة.
ومن العجيب أن الكتاب اليهود يتفننون في اختلاق المبررات لهذا الاضطهاد الشنيع للفكر الحر؛ ف «براون
Неизвестная страница