Сources of the Prophetic Biography
مصادر السيرة النبوية
Издатель
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
Жанры
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله ﷺ.
أما بعد:
فلرسول الله ﷺ حق علينا باتباع سنته وهديه وإحياء سيرته العطرة التي هي لنا أسوة حسنة، فإحياء سيرته والعناية بها يجعلنا أكثر تقديرًا لحقه علينا، فالله ﷾ سجل الكثير من مشاهد السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية، ثم إن سنته وسيرته ﷺ كانت توضيحًا لبعض ما ورد في القرآن، لذلك فالعلاقة وثيقة جدًا بين القرآن وسيرته ﷺ، ولاسيما إذا علمنا أن السيرة هي عهد النبوة والرسالة.
وتأتي كتابة السيرة النبوية في الأهمية بعد كتابة السنة النبوية أي الحديث النبوي، ولعل أول من بدأ بالكتابة لحياة الرسول الكريم ﷺ هو عروة بن الزبير (ت٩٢ هـ)، ثم أبان بن عثمان بن عفان (ت١٠٥هـ)، ثم وهب بن منبه (ت١١٠هـ)، ثم شرحبيل بن سعد (ت١٢٣هـ) . ثم ابن شهاب الزهري (١٢٤هـ) . ثم بعد ذلك تنامى الاهتمام بكتابة السيرة النبوية إلى درجة الإتقان والوضوح والشمول وكان على رأس ذلك الجيل الفقيه محمد بن إسحاق (ت١٥٢هـ)؛ لذلك يعد ابن إسحاق من أوثق من كتب في سيرة المصطفى ﷺ، وقد ضاع قسم كبير من كتابه، إلا أن ابن هشام (ت٢١٨هـ) قدَّم لنا عملًا جليلًا بروايته للسيرة من خلال كتاب (المغازي) لابن إسحاق، فقدمها لنا مشروحةً ومهذبة ومنقحة، وهي السيرة المعروفة بسيرة ابن هشام.
1 / 1
ومن هذا المنطلق جاء هذا البحث الذي بين أيدينا بعنوان <<مصادر السيرة النبوية دراسة تحليلية نقدية لبعض مصادر السيرة النبوية>>، إذ اشتملت هذه الدراسة على عدة محاور نذكر منها: أن الدراسة ركزت على المصادر الأساسية للسيرة وقسمتها إلى قسمين كبيرين، فكان القسم الأول عن المصادر الأساسية (المباشرة) .
ثم مرحلة التأليف المباشر في السيرة النبوية، وقد اشتمل هذا البحث على دراسة تتبعية مختصرة لبعض مصادر السيرة النبوية عبر القرون الإسلامية، واشتمل أيضًا على دراسة مختصرة عن حياة المؤلف ثم عرض موجز عن مكونات كتابه، ثم دراسة نقدية مختصرة لبعض إيجابيات ذلك الكتاب وسلبياته، وقد عرضت الدراسة في هذا البحث مجموعة مختارة من مصادر السيرة النبوية. أما مرحلة التأليف غير المباشر أو الثانوي، فقد عرضت الدراسة لمحة سريعة ومعلومات مفيدة ومهمة عن السيرة النبوية.
أما القسم الثاني من هذه الدراسة فقد خصص للدراسات التكميلية التي تناولت السيرة النبوية، مثل: كتب الأدب نثرًا وشعرًا، وكتب الرحلات، وكتب الجغرافيا التاريخية، وبعض المصنفات الأخرى.
وفي هذا البحث حسبنا أننا ساهمنا بجزء بسيط عن أهم مرحلة تاريخية في حياتنا وهي مرحلة التأليف في السيرة النبوية، والله الموفق.
1 / 2
مصادر السيرة النبوية
أقسام مصادر السيرة النبوية:
تنقسم مصادر السيرة النبوية إلى قسمين كبيرين هما:
القسم الأول: مصادر أصلية، وتتمثل فيما يلي:
(أ) القرآن الكريم.
(ب) كتب الحديث النبوي.
(ج) كتب السيرة المختصة.
(د) كتب الشمائل والدلائل.
القسم الثاني: مصادر تكميلية، وتتمثل فيما يلي:
كتب التراجم، والرجال، والأنساب، وكتب الفقه، ودواوين الأدب وغيرها مما يورد عرضًا حديثًا عن سيرة الرسول ﷺ.
وإذا ما أردنا الحديث عن هذه المصادر جميعها، فإن الأمر يصعب حصره في كتابة بحث أو مقالة مختصرة.
1 / 3
القسم الأول: مصادر أصلية
القرآن الكريم
...
مصادر السيرة النبوية "دراسة تحليلية نقدية لبعض مصادر السيرة النبوية"
الدكتور: ضيف الله بن يحيى الزهراني
بسم الله الرحمن الرحيم
القسم الأول: المصادر الأصلية
القرآن الكريم
يعرَّف القرآن الكريم بأنه هو كلام الله المنزل على نبيه ﷺ عن طريق الوحي (١)، وهذا القرآن، عني " بالنبوة والرسالات والرسل، والذين يقرؤونه قراءة فهم وتدبر، وبحث متعمق في معانيه، وحقائقه الكونية، وعقائده، وتشريعاته، ونظمه الاجتماعية، وأخلاقياته.... فلا تكتمل حقيقة إيمان مؤمن، إلا بمعرفة النبوة والإيمان بها، وتقديرها حق قدرها" (٢) .
وقد تعددت صور حياة الأنبياء في كثير من سور القرآن الكريم، وقد يمتد الحديث إلى الرسل والرسالات، وقد يطول وقد يقصر حسب مقتضيات الأحداث.
"والقرآن الكريم، وهو كتاب هداية وعبرة في وزنه للحياة، وتدبيره لحقائقها، يقصد في قصص الأنبياء والرسل فيما يقصد إليه من معان وحقائق إلى تنبيه العقول والأفكار إلى ما وقع في التاريخ البشري من غمط ظالم لأعظم حقائق الحياة" (٣) .
وعندما نقول إن القران الكريم يعد مصدرا أصليًا في سيرة الرسول ﷺ فإننا نعني بذلك أن القرآن الكريم "تضمن بيان العقيدة الإسلامية، والشريعة
_________
(١) عرّف الطحاوي القرآن فقال:"القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولًا، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدّقه المؤمنون على ذلك حقًا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية ... " شرح الطحاوية ١/١٧٢. (اللجنة العلمية) .
(٢) سعد المر صفي، مناهج المؤلفين في السيرة،، ص ٣٤.
(٣) المرجع السابق، ص ٣٨.
1 / 4
الإسلامية، وترد فيه آيات الأحكام ذات الأهمية الكبيرة في بيان النظم الإسلامية، ونشأتها، فهي تلقي ضوءًا على التشريعات الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، التي عمل بمقتضاها النبي ﷺ في إدارة الدولة الإسلامية الأولى» (١) .
وقد ورد في القران الكريم ذكر لبعض غزوات الرسول ﷺ مثل غزوات بدر، وأحد، والخندق، وحنين.
ولتأكيد تلك الأحداث يجدر بنا أن نضرب أمثلة من الآيات القرآنية على ورود تلك الغزوات في القرآن الكريم.
فقد قال الله تعالى في غزوة بدر الكبرى التي وقعت في السنة الثانية من الهجرة: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: آية ١٧] .
وقال تعالى ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ، بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران آية: ١٢٣-١٢٦] .
وقال تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: آية ١٢]
_________
(١) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة ط/الخامسة ص ٤٧-٤٨، مكتبة العلوم والحكم.
1 / 5
وقال الله تعالى مصورًا بعض أحداث غزوة أحد التي وقعت في السنة الثالثة للهجرة النبوية، حيث قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [آل عمران: آية ١٥٥] .
وقال تعالى: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: آية ١٥٣] .
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: آية ١٥٤] .
وقال تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: آية ١٦٩] .
وقال تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: آية ١٣٩] .
وقال تعالى: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: آية ١٤٠] .
وقال الله تعالى مصورًا بعض أحداث غزوة الأحزاب التي وقعت في السنة الخامسة من الهجرة النبوية: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: آية ١٢] .
ولقد بينت سورة الأحزاب الموقف المشين للمنافقين في هذه الغزوة المباركة، وقد ذكر الله ذلك في تلك السورة من الآية (١٣ الى٢٠) .
1 / 6
وقال تعالى: ﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: آية ٢٠] .
وقد وصف القرآن الكريم حال المسلمين في تلك الغزوة فقال ﷿: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: آية١٠-١١] .
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ [الأحزاب: آية٩] .
وقال تعالى: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: آية٢٥] .
وقال تعالى مصورًا بعض مشاهد من غزوة حنين التي وقعت في أواخر السنة الثامنة للهجرة النبوية: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [سورة التوبة: آية ٢٥] .
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [سورة التوبة آية: ٢٦] .
وبعد، فإن القرآن حفل بالكثير من الآيات حول غزوات الرسول ﷺ مثل فتح مكة، وغزوة تبوك وغيرها.
1 / 7
ثم نجد أن القرآن الكريم قد صور حال الرسول ﷺ وما وجده من أذى وتعب في سبيل نشر العقيدة الإسلامية.
فقد قال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [سورة الشعراء آية:٢١٤-٢١٦] .
وقال تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ، الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر: آية: ٩٤-٩٦] .
ولقد صور القرآن سيرة الرسول ﷺ منذ بداية الدعوة إلى الله وقد ورد ذلك في سور العلق، والمدثر، والمزمل، والضحى. ولقد توجت هذه الصور الجميلة في القرآن الكريم عن سيرته ﷺ بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة القلم: آية٤] .
كتب الحديث النبوي: كما نعلم أن السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وهي التي جمعت أقوال الرسول ﷺ، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخلقية والخلقية، ونظرا للارتباط القوي بين السنة النبوية والسيرة النبوية، فإننا نجد عددًا كبيرًا من كتب الأحاديث النبوية اهتمت بسيرة الرسول ﷺ، "والذين ألفوا في السنة لم تخل كتبهم غالبًا من ذكر ما يتعلق بحياة الرسول ﷺ ومغازيه، وخصائصه، ومناقبه ... " (١) . _________ (١) سعد المر صفي: مناهج المؤلفين في السيرة النبوية، ص٤٣
كتب الحديث النبوي: كما نعلم أن السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وهي التي جمعت أقوال الرسول ﷺ، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخلقية والخلقية، ونظرا للارتباط القوي بين السنة النبوية والسيرة النبوية، فإننا نجد عددًا كبيرًا من كتب الأحاديث النبوية اهتمت بسيرة الرسول ﷺ، "والذين ألفوا في السنة لم تخل كتبهم غالبًا من ذكر ما يتعلق بحياة الرسول ﷺ ومغازيه، وخصائصه، ومناقبه ... " (١) . _________ (١) سعد المر صفي: مناهج المؤلفين في السيرة النبوية، ص٤٣
1 / 8
فلو نظرنا في المصنفات التي ألفت في السنة، والتي أعطت حيزًا كبيرًا لسيرة الرسول، لوجدنا أن موطأ الإمام مالك (ت١٧٩هـ)، يقع على رأس تلك المؤلفات، فقد ذكر طرفًا من أخبار الرسول ﷺ، وأخبار غزواته وذكر طرفًا من حياته الشخصية.
وهناك الصحيحان للبخاري (ت٢٥٦هـ) ومسلم (ت٢٦١هـ)، فقد ذكرا في صححيهما قدرًا كبيرًا يتعلق بخصائص الرسول ﷺ، وفضائله، وحياته قبل البعثة، والجهاد، والغزوات، والسرايا والبعوث وغير ذلك من حياته الشخصية ﷺ. ثم ما ذكرته بقية الكتب الستة في الأحاديث الصحيحة عن سيرة الرسول ﷺ وهي: سنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجه، وسنن النسائي، وهناك أيضا بعض كتب المسانيد التي أَوْلَتْ سيرة الرسول ﷺ قدرًا مهمًا من الأحاديث، مثل: مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت٢٤١هـ)، وسنن الدارمي (ت٢٥٥هـ) . وغير ذلك من المؤلفات التي تخصصت في السنة النبوية الشريفة، إلا أن الأمر الذي يجب التنويه به، "أن مادة السيرة في كتب الحديث موثقة، يجب الاعتماد عليها، وتقديمها على روايات كتب المغازي، والتواريخ العامة، وخاصة إذا أوردتها كتب الحديث الصحيحة؛ لأنها ثمرة جهود جبارة قدمها المحدثون عند تمحيص الحديث، ونقده سندًا ومتنًا، وهذا النقد والتدقيق الذي حظي به الحديث لم تحظ به الكتب التاريخية، ولكن ينبغي التفطن إلى أن كتب الحديث -بحكم عدم تخصصها-؛ لا تورد تفاصيل المغازي، وأحداث السيرة بل تقتصر على بعض ذلك، مما ينضوي تحت شرط المؤلف أو وقعت له روايته، وينبغي إكمال الصورة من كتب السيرة المختصة، وإلا فقد
1 / 9
يؤدي ذلك إلى لبس كبير" (١) .
كتب السيرة المختصة: وهذا القسم من مصادر السيرة النبوية مر بالمراحل التالية: (أ) وهي مرحلة أولية من مراحل الاهتمام بالسيرة النبوية عن طريق الرواية الشفهية، ثم عن طريق التدوين الأولي للسيرة. (ب) وهي مرحلة تالية من مراحل التأليف والتدوين في كتب خاصة، ومختصة بالسيرة النبوية، ومن أجل ذلك لابد أن نقف على كل مرحلة لنرى مدى الاهتمام بسيرة المصطفى ﷺ. القسم الأول: مرحلة اهتمام الصحابة وبعض التابعين بسيرة الرسول ﷺ. لقد عاش صحابة رسول الله ﷺ في كنف الرسول، فتأدبوا بآدابه، وتخلقوا بأخلاقه، وعايشوه في جميع أمور حياته القولية والفعلية، وشاركوه في بعوثه وسراياه، وغزواته، وعرفوا عن قرب منه سيرته الذاتية في أزواجه، وذراريه، ومسكنه، وملبسه، ومأكله، وفراشه، وفي نومه، وفي صلاته وعبادته، ونظافته وكل شؤون حياته، لذلك " فالصحابة على علم دقيق وواسع بالسيرة؛ لأنهم عاشوا أحداثها، وشاركوا فيها، وكانت محبتهم لرسول الله وتعلقهم به، ورغبتهم في اتباعه، وأخذهم بسنته في الأحكام، سببًا في ذيوع أخبار السيرة، ومذكراتهم فيها، وحفظهم لها ... فقد اشتهر عدد من الصحابة باهتمامهم _________ (١) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة، ج١/ص٥٠
كتب السيرة المختصة: وهذا القسم من مصادر السيرة النبوية مر بالمراحل التالية: (أ) وهي مرحلة أولية من مراحل الاهتمام بالسيرة النبوية عن طريق الرواية الشفهية، ثم عن طريق التدوين الأولي للسيرة. (ب) وهي مرحلة تالية من مراحل التأليف والتدوين في كتب خاصة، ومختصة بالسيرة النبوية، ومن أجل ذلك لابد أن نقف على كل مرحلة لنرى مدى الاهتمام بسيرة المصطفى ﷺ. القسم الأول: مرحلة اهتمام الصحابة وبعض التابعين بسيرة الرسول ﷺ. لقد عاش صحابة رسول الله ﷺ في كنف الرسول، فتأدبوا بآدابه، وتخلقوا بأخلاقه، وعايشوه في جميع أمور حياته القولية والفعلية، وشاركوه في بعوثه وسراياه، وغزواته، وعرفوا عن قرب منه سيرته الذاتية في أزواجه، وذراريه، ومسكنه، وملبسه، ومأكله، وفراشه، وفي نومه، وفي صلاته وعبادته، ونظافته وكل شؤون حياته، لذلك " فالصحابة على علم دقيق وواسع بالسيرة؛ لأنهم عاشوا أحداثها، وشاركوا فيها، وكانت محبتهم لرسول الله وتعلقهم به، ورغبتهم في اتباعه، وأخذهم بسنته في الأحكام، سببًا في ذيوع أخبار السيرة، ومذكراتهم فيها، وحفظهم لها ... فقد اشتهر عدد من الصحابة باهتمامهم _________ (١) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة، ج١/ص٥٠
1 / 10
الكبير بموضوع السيرة " (١) . ونذكر منهم على سبيل المثال (لا الحصر):
١- عبد الله بن عباس، ﵁، فكان يروي للناس معازي الرسول ﷺ (٢) .
٢- عبد الله بن عمرو بن العاص، ﵁، " الذي كان من أبرز الصحابة اهتمامًا بتدوين أحاديث الرسول ﷺ حتى إنه كان يكتب كل ما يسمع من رسول الله ﷺ " (٣) .
٣- البراء بن عازب، ﵁، فقد أملى في مجلسه العلمي شيئًا كثيرًا من مغازي رسول الله ﷺ، وخاصة فيما يتعلق بالهجرة النبوية، وبعض الغزوات، كغزوة بدر وأحد، والخندق، والحديبية، وفتح مكة، وحنين (٤) .
هؤلاء الثلاثة هم الذين ورد ذكرهم من حيث الاهتمام بسيرة الرسول ﷺ وإملاؤها على تلاميذهم، وأتباعهم، والناس كافة، فحفظوا لنا شطرا كبيرا ومهما من أخبار السيرة النبوية.
أما جيل التابعين، فقد برز منهم عدد غير قليل في الاهتمام بأحداث السيرة، ونذكر منهم على سبيل المثال (لا الحصر) .
١- عروة بن الزبير (ت ٩٣هـ)، أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة، وقد اهتم بأخبار السيرة النبوية اهتمامًا كبيرًا، وكان كثير الحديث، وقد نقل عنه الطبري في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) . وابن حجر في كتابه (فتح الباري) .
_________
(١) المرجع السابق، ج١ /ص٥٣.
(٢) ابن سعد: الطبقات، ج١ / ص٣٦٨.
(٣) محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التاريخ الإسلامي، ص٢٩٥.
(٤) محمد مصطفى الأعظمي: مغازي رسول الله لعروة بن الزبير ص ٢٥-٢٦.
1 / 11
وقد امتدحه ابن كثير بقوله «كان عروة فقيهًا عالمًا حافظًا ثبتًا حجة عالمًا بالسير، وهو أول من صنف في المغازي " (١) .
ومنهجه في كتابه (المغازي)، يتمثل فيما يلي: "الاستشهاد بالآيات القرآنية، ويستعمل الأشعار لكن بقلة، ويهتم كثيرًا بالأنساب وله عناية بإيراد الوثائق والكتب التي كتبها رسول الله ﷺ كما أنه قليل الاستعمال للأسانيد" (٢) .
٢- عامر بن شراحيل الشعبي (ت١٠٣هـ) . وهو محدث ثقة، ألف كتاب (المغازي)، وكان يحدث الناس من خلاله وقد مر على مجلسه عبد الله ابن عمر فقال: " قد شهدت القوم فهو أحفظ لها وأعلم بها " (٣) . وكان ينقل أخبار سيرة الرسول ﷺ بكل صدق وأمانة، فقد وصف بأنه محدث ثقة (٤) .
٣- أبان بن عثمان بن عفان، ﵁ (ت١٠٥هـ) . تولى ولاية المدينة المنورة مدة سبع سنوات في خلافة عبد الملك بن مروان وقد اهتم بأخبار غزواته وسراياه وقد أخذ عنه المغيرة بن عبد الرحمن مغازي رسول الله ﷺ، فكان أبان بن عثمان يعلمها للناس ويأمرهم بتعليمها (٥) .
٤- شرحبيل بن سعد المدني (ت١٢٣هـ)، وهو محدث، صدوق قال ابن عيينة: "لم يكن أحد أعلم بالمغازي والبدريين منه" (٦)، ولم تصرح
_________
(١) ابن كثير: البداية والنهاية، ج٩/ص١٠١.
(٢) محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التاريخ، ص٢٩٨.
(٣) ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج٥/ص٦٧.
(٤) محمد بن صامل السلمي، منهج كتابة التاريخ، ص٢٩٦.
(٥) ابن سعد: الطبقات الكبرى، ح٥/ص٢١٠.
(٦) ابن حجر: تهذيب التهذيب، ح٤/ص٣٢١.
1 / 12
المصادر بأن شرحبيل قد ألف في السيرة ولكنه احتفظ بقوائم فيها أسماء أهل بدر، وأسماء المهاجرين الأوائل (١) .
٥- محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت١٢٤هـ)، وهو من كبار المحدِّثين الذين اهتموا بالمغازي وبسيرة الرسول ﷺ، وهو ثقة، "وهو أول من استخدم طريقة جمع الأسانيد ليكتمل السياق وتتصل الأحداث دون أن تقطعها الأسانيد" (٢)، وتعد كتاباته أول كتابات في السيرة (٣) "وهي من أوثق السير وأهمها، ويعتمد عليه ابن إسحاق كثيرا في السيرة" (٤) .
٦- عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري (ت١٢٩هـ)، تربى في بيت علم وأدب، فجده كان من صحابة رسول الله ﷺ، ووالده من العلماء الأفذاذ، وهو نقل عن جده ووالده، "فكان راويًا للعلم، وله علم بالمغازي والسير، كان يجلس في مسجد دمشق، ويعلم الناس بالمغازي، وكان من المصادر المهمة التي اعتمد عليها ابن إسحاق والواقدي" (٥) .
٧- موسى بن عقبة (ت١٤٠هـ)، له كتاب في (المغازي) يقع في مجلد مختصر، ويعده العلماء من أصح كتب المغازي (٦) وهو محدث ثقة،
_________
(١) محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التاريخ، ص٢٩٩.
(٢) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة، ج١/ص٥٥.
(٣) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد. ج١٢/ص٢٣٠.
(٤) سعد المرصفي: مناهج المؤلفين في السيرة النبوية، ص٤٦.
(٥) المرجع السابق.
(٦) الذهبي: سير أعلام النبلاء، ح٦/ص ١١٥-١١٧.
1 / 13
يعد من تلاميذ الزهري، لذلك فقد استفاد منه فائدة كبيرة (١) .
٨- سليمان بن طرخان التيمي (ت١٤٣هـ)، يعد من علماء الجرح والتعديل، وهو محدث، ثقة من التابعين له كتاب"السيرة الصحيحة" وهو مفقود إلا بعض أجزائه (٢) .
٩- محمد بن إسحاق (ت١٥١هـ)، أصله فارسي، تربى وتلقى العلم في المدينة المنورة، ويعد من أعلم الناس بالمغازي، "لكن مروياته لاترقى إلى درجة الصحيح، بل الحسن بشرط أن يصرح بالتحديث لأنه مدلس " (٣)، وقد ذكر أكرم العمري في شأن حجية ابن إسحاق ما ورد عن ابن عدي قوله"وقد فتشت أحاديثه، فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعيف، وربما أخطأ، أو وهم، كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لا بأس به" (٤) .
وقد ألف ابن إسحاق كتابًا في السيرة النبوية اشتمل على "حياة الرسول ﷺ قبل البعثة، وشيء من أخبار الجاهلية، ثم سيرته ﷺ بعد البعثة حتى الهجرة، ثم حياته في المدينة، ومغازيه، وبعوثه حتى وفاته" (٥)، وكتابه في السيرة النبوية مفقود، إلا أن ابن هشام قام بتهذيب ذلك الكتاب، محافظًا على النصوص التي أوردها ابن إسحاق.
_________
(١) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة، ج١/ص ٥٥-٥٦.
(٢) المرجع السابق، ١/٥٦.
(٣) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة. ١/٥٦.
(٤) المرجع السابق، (١/ ٥٦) .
(٥) محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التاريخ الإسلامي، ص٣٤٨.
1 / 14
ومنهج ابن إسحاق يقوم في جملته على"إيراد الأخبار بالأسانيد التي وصلته، وهذه الأسانيد منها الموصول، ومنها المنقطع والمنفصل، في حين أن بعض الأخبار يوردها بدون إسناد، ويظهر هذا على نحو واضح في القسم الأول من السيرة" (١)، ويمكن الاطلاع على ذلك في كتابه فتجده يقول: حدثني بعض أهل مكة ... إلخ.
ولأن الكتاب لازال مفقودًا (٢) فلن نسترسل في الحديث عنه ونكتفي بهذه الإلماحه.
وقد أورد أكرم العمري مجموعة من أسماء العلماء والفقهاء الذين كان لهم النصيب الأكبر في إيضاح سيرة الرسول ﷺ وهذه الفئة السابق ذكرها لم نجد لمؤلفاتهم ذكرًا إلا من خلال التراجم والسير الخاصة بهم، وهي في غالب الأمر مفقودة، ومن أولئك نذكر ما يلي:
١/ أبو معشر السندي (ت١٧١هـ)، له كتاب المغازي (٣) .
٢/ عبد الله بن محمد بن أبي بكر المدني (١٧٦هـ) صنف في المغازي (٤) .
٣/ يحيى بن سعيد الأموي (ت١٩٤هـ) صنف في المغازي (٥) .
٤/ الوليد بن مسلم الدمشقي (ت١٩٦هـ) (٦) .
_________
(١) المرجع السابق، ص٣٥٠.
(٢) وجد من الكتاب قطعة حققها محمد حميد الله بعنوان (المبتدأ والمبعث والمغازي) وقد طبعت في الرباط ١٣٩٦هـ. وحققها أيضًا سهيل زكار بعنوان (السيرة النبوية لابن إسحاق برواية يونس بن بكير) وطبعت في دار الفكر بدمشق.
(٣) الخطيب: تاريخ بغداد، ١٣/٤٢٧.أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة، ١/٦٠.
(٤) المرجع السابق، ١/ ٦٠.
(٥) المرجع السابق، ١/ ٦٠.
(٦) المرجع السابق، ١/٦٠.
1 / 15
٥/ يونس بن بكير (ت١٩٩هـ) أحد رواة سيرة ابن إسحاق (١) .
٦/ محمد بن عائذ الدمشقي (٢٣٤هـ)، صنف في المغازي (٢) .
٧/ علي بن محمد المدائني (ت٢٣٥هـ)، صنف موضوعًا في السيرة (٣) .
٨/ صالح بن إسحاق الجرمي النحوي (ت٢٣٥هـ) له "كتاب في السيرة عجيب" (٤) .
٩/ إسماعيل بن جميع (ت٢٧٧هـ) له كتاب "أخبار النبي ومغازيه وسراياه" (٥) .
١٠/ سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي (ت٢٤٩هـ) صنف في المغازي (٦) .
١١/ أحمد بن الحارث الخراز (ت٢٥٨هـ) له كتاب "مغازي النبي وسراياه وأزواجه" (٧) .
١٢/ عبد الملك بن محمد الرقاشي (ت٢٧٦هـ) له كتاب "المغازي" (٨) .
١٣/ إبراهيم بن إسماعيل العنبري (ت٢٨٠هـ) له كتاب "المغازي" (٩) .
_________
(١) ابن حجر: الإصابه، ج١/ص٢٤٢.
(٢) الذهبي: سير أعلام النبلاء،١١/٦.
(٣) المصدر السابق، ج١٠ص٤٠٠. أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة. ١/٦٤.
(٤) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد. ٩/٣١٤.
(٥) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة. ١/٦٤.
(٦) الذهبي: سير أعلام النبلاء. ٩/١٣٩.
(٧) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة. ١/٦٤.
(٨) المرجع السابق،١/٦٤.
(٩) المرجع السابق، ١/٦٤.
1 / 16
١٤/ إسماعيل بن إسحاق القاضي (ت٢٨٢هـ) له كتاب "المغازي" (١) .
ثم هناك مجموعة أخرى من التابعين وأتباعهم ذكرتهم المصادر في ثنايا المعلومات باهتمامهم بالسيرة وبأخبار الرسول ﷺ، وهؤلاء لم تصرح المصادر بتأليفهم في السيرة بل أشارت إلى عنايتهم، واهتمامهم بالتحديث بها. ونذكر منهم معتمدين على ما أورده أكرم العمري في ذلك (٢) .
١- عكرمة مولى ابن عباس (ت١٠٧هـ) .
٢- أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي (ت١٢٧هـ) .
٣- يعقوب بن عتبة بن المغيرة (ت١٢٨هـ) .
٤- داود بن الحسين الأموي (ت١٣٥هـ) .
٥- عبد الرحمن بن عبد العزيز الحنيفي (ت١٦٢هـ) .
٦- محمد بن صالح بن دينار (ت١٦٨هـ) .
٧- عبد الله بن جعفر المخرمي المدني (ت١٧٠هـ) .
وبذلك نقف على نهاية المرحلة الأولى من مراحل تدوين السيرة والاهتمام بها في عهد الصحابة، والتابعين ومن تبعهم من تلاميذهم وغيرهم، وقد أكدت جل المصادر أن مؤلفات هؤلاء العلماء الذين سبق ذكرهم يعد معظمها أو كلها مفقودًا، إلا ما ندر من بعض الأجزاء الصغيرة، أو الوريقات المبعثرة في بعض كتب من ألف في السيرة أو في كتب التاريخ العام.
وهذه المرحلة السابق ذكرها، تميز علماؤها بأمرين هما،: (العدالة، والضبط)، وهما شرطان عند العلماء لتوثيق الرواة، وإن كانوا قد وثقوا عند
_________
(١) المرجع السابق، ١/٦٤.
(٢) السيرة النبوية الصحيحة. ١/ ٦٤-٦٥.
1 / 17
المحدثين رغم دقة شروطهم في التوثيق، ورغم نظرتهم لهم بأنهم محدثون مادتهم الأحاديث، وليسوا إخباريين مادتهم الأخبار، والنقاد يتشددون في مادة الحديث كثيرًا، ويتساهلون في قبول الأخبار، فإن هذا التوثيق يعطي كتاباتهم في السيرة قيمة علمية كبيرة.
لقد حفظ الله تعالى سيرة نبيه ﷺ من الضياع والتحريف، والمبالغة والتهويل، بأن هيأ لها جهابذة المحدثين ليعنوا بها، ويدونوا أصولها الأولى، قبل أن تتناولها أقلام المؤرخين، والقصاصين. وهذه ميزة لمصادر السيرة لم تتوافر لغيرها من كتب التاريخ والأخبار وتبرز هذه الميزة لكون المحدثين ثقات مأمونين في الرواية، لكونهم علماء لهم مناهج واضحة في نقد الروايات سندًا ومتنًا، ولهم أسلوب يتسم بالجدية والبعد عن الحشو والمبالغة (١) حقًا لقد كانت المرحلة الأولى من مراحل الاهتمام بالسيرة النبوية، مرحلة التأسيس العلمي الأصيل لمصادر وأوعية معلومات السيرة النبوية، واتسمت هذه المرحلة بالرواية الشفهية، وبث أخبار السيرة عن طريق التلقي في الكتاتيب أو في المساجد أو في المجالس العلمية. ثم تلت هذه المرحلة مرحلة التأليف المبكر في السيرة، والتي فقدت أغلب مؤلفاتها، ولكن جاءت مرحلة تالية حفظت لنا سيرة الرسول ﷺ.
القسم الثاني:
مرحلة التأليف في السيرة النبوية، وهذه المرحلة تنقسم إلى قسمين كبيرين ومهمين، هما:
_________
(١) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة. ج١/ص٦٥.
1 / 18
أ - مرحلة التأليف المباشر.
ب - مرحلة التأليف غير المباشر، (أو التأليف الثانوي) . وبعون الله وتوفيقه نبدأ بالحديث عن مرحلة التأليف المباشر.
أ. مرحلة التأليف المباشر: ونقصد بذلك أن مؤلفات من سنذكرهم وصلت إلينا مباشرة، وكانت مباشرتها في السيرة النبوية، ولم تتناول تلك المؤلفات أي موضوعات أخرى سوى مغازي الرسول ﷺ وأخباره في جميع أمور حياته الخاصة والعامة، وسوف نذكر تلك المؤلفات على النحو التالي مع التأكيد أن السرد القادم ليس حصرًا، وإنما هو مجرد أمثلة لواقع التأليف في سيرة الرسول ﷺ:
ـ كتاب "المغازي" لمحمد بن عمر الواقدي (ت٢٠٧هـ) .
ولد بالمدينة المنورة، وطلب العلم في الحجاز والشام والعراق، وعاش في كنف الدولة العباسية في عصرها الأول، وتولى منصب القضاء في عهد الخليفة هارون الرشيد، وكذا في عهد الخليفة المأمون، كان من العلماء المرموقين، ألف ما يربو على ثلاثين كتابًا في التاريخ والحوادث (١)، وقد انتقده غير واحد في منهجيته في تأليف كتبه، فقال عنه الذهبي "جمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالورد الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم....وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج ... " (٢) .
_________
(١) ابن النديم: الفهرست، ص١١١.
(٢) الذهبي: سير أعلام النبلاء، ٩/٤٥٤-٤٦٩.
1 / 19
وقال ابن كثير: "الواقدي عنده زيادات حسنة، وتاريخ محرر غالبا؛ فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار، وهو صدوق في نفسه مكثار" (١)، وقال عنه ابن سيد الناس، "إن سعة العلم مظنة لكثرة الإغراب، وكثرة الإغراب مظنة للتهمة، والواقدي غير مدفوع عن سعة العلم، فكثرت غرائبه" (٢) .
أما كتاب الواقدي في السيرة النبوية فقد أسماه "المغازي" (٣) فهو مصدر أساس في السيرة النبوية، تحدث الواقدي في كتابه هذا عن غزوات الرسول وسراياه، يذكر تاريخ معظم الغزوات والسرايا، واسم قائدها، والوجهة التي ذهبت إليها، وذكر ذلك بقوله في كتابه"فكانت مغازي النبي ﷺ التي غزاها بنفسه سبعًا وعشرين غزوة، وقاتل في تسع ثم ساقها، وكانت السرايا سبعًا وأربعين سرية" (٤) .
أما منهجه في كتابه، فإنه"يذكر أحيانًا الأسانيد مجموعة في أول كل غزوة أو سرية، وأحيانًا لا يذكرها اعتمادًا على ما ذكره في أول الكتاب، ويكتفي بقوله: قالوا" (٥)، ومن منهجه أيضًا عنايته واهتمامه"بالضبط التاريخي للوقائع والغزوات، كما أنه يعتني بذكر الرجال الذين لهم إسهامات معينة في الغزوة من إنفاق وبذل، أو مشورة ورأي، أو موقف بطولي، ويذكر الأسرى، والشهداء من المسلمين، والقتلى من الكفار ويرتبهم حسب
_________
(١) ابن كثير: البداية والنهاية، ٣/٢٣٤.
(٢) ابن سيد الناس: عيون الأثر، ١/ ٢٦.
(٣) قام بتحقيق هذا الكتاب المستشرق، مارسدن جونس، ونشره في ثلاثة مجلدات.
(٤) الواقدي: المغازي، ١/ ٧.
(٥) محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التاريخ الإسلامي، ص ٣٥٨.
1 / 20