حضركم ، على كريم ما غاب عنكم ، وما عجل إليكم ولكم ، على ما قصر علمه دونكم ، كما قال الله تبارك وتعالى : ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ) (7) [الروم : 7]. وكذلك فلم يزل العتاة (1) الجاهلون ، أما لو نظرتم إليه بأعيان جلية ، وسمعتم القول فيه بآذان سوية ، ودبرتم الأمر فيه بقلوب حيية ، لعلمتم أنكم من الدنيا في إدبار حثيث ، ومن الآخرة في إقبال غير مكيث ، (2) فكأن ليلكم ونهاركم في مرورهما بكم ، وكرورهما عليكم ، قد وقفا بكم على آجالكم ، وأفرادكم عن غرور آمالكم ، وكشفا عنكم أغطية أبصاركم ، فحسر (3) رأيكم إن لم يرحمكم ربكم.
[الانسان المغرور]
فيا ويل المغرور من نفسه ، المخطئ لسبيل حظه ، من أي يوميه يشغل؟! بل من أي حاليه يغفل؟! أيوم رجوعه إن عمر إلى أرذل عمره؟! وحاله حين يصير عيال عياله وأسير منزله وداره ، أم عن يوم وروده دارا لم يتخذ بها منزلا؟! ولم يقدم إليها من صالح عملا ، أم لأي يوميه يفرغ أليوم حبرة ، (4) يتبعها عبرة؟! وفرحة ، يعقبها ترحة ، (5) وزخرف يعود حطاما ، وفخر يحول (6) بوارا ، أم ليوم شغل لما فرغ منه؟! وتفرغ لما أمر بالاعراض عنه ، واحتقار لما نعي إليه فراقه ، وحرص على لزوم ما هو مفارقه ، كأنه لا يستحيي من حمده لمذموم ، وركونه (7) من الدنيا إلى ما لا يدوم ، واستبطائه لغير دار خلوده ، وتكذيبه بفعله لما يزعم من محموده.
Страница 340