فيهما وبهما من البغتات والفجآت ، فكم قد رأيتم بهما من مبتغت وصريع ، وكم سمعتم عنهما من خبر هائل فضيع ، ولا تؤثروا ما لم تخلقوا له على ماله خلقتم ، ولا تكثروا تشاغلكم بطلب الرزق فقد رزقتم ، قديما في ظلم الأرحام ، وبعد (1) إلى حين أوان الفطام ، ثم مذ كنتم في الناس شيئا مذكورا ، فكفى بذلكم على كفاية الله دليلا ونورا.
فاعرفوا كفايته لكم بما عرفتم ، وقوموا من ذلك كله بما كلفتم ، واضربوا عن طلب الدنيا عنكم بفادح الأثقال ، وتكلف ما أنتم فيه لطلبها من الأشغال.
أفلستم بموقنين ، ببت يقين ، لستم بمرتابين ، أن الحظ من الدنيا إلى نفاد ، وأنكم من الموت على ميعاد ، فما بالكم لا تنظرون في عاقبة الدنيا ، ولا تتأهبون إن كنتم موقنين (2) لدار المثوى ، أترون ذلك زلفا (3) عند ربكم ، وليست لكم أم بوسيلة وليست معكم ، (4) أم بحسن عمل ولم تقدموه ، أم بعظيم الرجاء ولم تحققوه.
فيا أيها الراكن إلى الدنيا وزخرفها ، والآمن (5) لنوائب تصرفها ، والمغتر في معاشها ومكالبتها في طلبها ، والمؤثر لها على ربها ، والمشغول بما كفى منها ، والجاهل بخبر الله عنها ، هبك لم توقن بما دعا الله إليه من ثوابه! ولم تخف سطواته فيما حذرك من عقابه! ألم تك ذا عقل فتفهم عن الدنيا خبرها؟! وتسمع منها موعظتها؟! فلعمرها ما قصرت في موعظة ، ولا تركت لذي عقل فيها من علة ، لقد أخبرتك عن القرون ، بما أحلت به من المنون ، فخربت الديار ، وعفت الآثار ، هبك أصم في هذا كله عن سماع موعظتها ، وما كشفت لك بذلك عنه من سوآتها ، ألم ترك (6) عيانا فيمن معك من نوازل مناياها؟! وما أوصلت إليك في فقد الأحبة من رزاياها؟! أو لم تكن في طول ما
Страница 337