في الحرب فكيف بالعي المغتر ، فلا يتعاط أحد سبيل التقوى ، وما قرن الله بها من التمحيص والبلوى ، إلا وقد تحصن بالعلم والبصر والنظر ، (1) الذي ميز الله به بين أهل الخير والشر ، فلا تدعوا رحمكم الله حسن النظر في الأمور ، والاستضاءة في ظلمها بما جعل الله في العلم من النور.
واعلموا أن من أبواب ذلك ومفاتيحه ، وأضوأ ضياء نوره ومصابيحه ، إخلاص العمل لله ، وصدق التوكل على الله ، وسبب الطريق إليها ، وعون من أراد مما (2) فيها ، (حسن الفكر في الدنيا وفنائها ، وتقلب سرائها وضرائها ، وفي حال جميع من فيها من ملوك الأمم خاصة ، ومن دونهم من الخلق جميعا عامة ، فإنكم إن تفكرتم فتروا ، بعين الفكر وتبصروا ، أنهم جميعا منها وإن اختلفت حالهم [في السراء والضراء ، في مضامير بأقدار أحوالهم] فيها من السعادة والشقاء) ، (3) فقد غشيهم من همومها كأمثال الجبال ، ورمت بهم (4) من غمومها في مثل لجج البحار ، فالملك في شغل من ملكه ، والمملوك في سطوة مالكه ، والمكثر من إكثاره ، والمقل من إقلاله.
[أحوال الخلق في الدنيا]
ولن يحاط بوصف أحزانها ، وأوجاع غموم سكانها ، ويحق (5) بذلك منزل سريع زواله ، قليل ما تمتع بالراحة فيه نزاله ، بأساؤه أبدا فيه متداركة ، ونجاة أهله فيه مهلكة ، وغمومهم فيه متراكبة ، وهمومهم به مكتسبة ، فلا الغني يخلو من غم الجمع
Страница 348