وبالجملة فقد جاءهم بخير الدنيا والآخرة بحذافيره، ولم يجعل الله بهم حاجة إلى أحد سواه. ولهذا ختم الله به ديوان النبوة، فلم يجعل بعده رسولًا لاستغناء الأمة به عمن سواه، فكيف يُظن أن شريعته الكاملة المكملة محتاجة إلى سياسة خارجة عنها، أو إلى حقيقة خارجة عنها، أو إلى قياس خارج عنها، أو إلى معقول خارج عنها؟ !
فمن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسولٍ آخر بعده، وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك. قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: ٥١]، وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: ٨٩]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩]، وقال تعالى: ﴿(٥٦) يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ [يونس: ٥٧]. وكيف يشفي ما في الصدور كتاب لا يفي بعشر معشار ما الناس محتاجون إليه على زعمهم الباطل؟
ويالله العجب كيف كان الصحابة والتابعون قبل وضع هذه القوانين واستخراج هذه الآراء والمقاييس والأقوال؟ هل كانوا مهتدين بالنصوص أم كانوا على خلاف ذلك حتى جاء المتأخرون أعلم منهم وأهدى منهم؟ ! هذا ما لا يظنه مَن به رمق من عقل أو حياء نعوذ بالله من الخذلان، ولكن مَن أوتي فهمًا في الكتاب وأحاديث الرسول ﷺ استغنى بهما عن غيرهما بحسب ما
المقدمة / 15