إنه يعلم الجهر وما يخفى (الأعلى: 7)، ومواضع أخرى في هذا المعنى، والحق أن أحدا من الناس إذا جاز له أن يزيغ عن تمثيل ما خلقه الله، فهيهات أن يقوى على أن يحتال بين يدي الله، ويمكر
والله خير الماكرين (آل عمران: 54).
6
جلب الفن جميع أنواعه إلى جهة التنميق، يوم استقر فيها، فاختلطت الأنواع بعضها ببعض، وكاد تدرجها يختل على ما يقتضيه من المناحي المتمايزة بحسب المواد المستعملة، وكذلك بحسب المآرب المطلوبة، وقد أصبح التنميق كأنه الأمير الذي لا يرد له أمر، أمير وضاء، أخاذ، ماضي العزيمة، دائب السعي، لقد شط في المضاء والدأب.
وعند هذا الانقلاب تحول الفن الإسلامي، غير متردد عن جو التأثرات، وكان قد انحرف إليه فذهب فيه متثبتا، دليل ذلك المنمنمات الراجعة إلى الأسلوب العربي المعروف بالبغدادي، السابق لدور التصوير الفارسي (الذيل 3). وهذه المنمنمات التي تقصد إلى تزويق الكتب وترقيها تنشر واقعية حادة، في غالب الحال، وتدس في أثناء الموضوعات الدينية ورعا صادقا، على أنها منبثقة من مساق هليني توطن أرض سوريا وما بين النهرين فصار ساميا، ثم تراكب ماؤه، وتبطح هنا وهناك - قبل الإسلام - وقد مدته على مدار السنين فورات من ينابيع الفن المسيحي الشرقي بخاصة، حتى انتهى الدفقان إلى المزاج العربي، فتجدد على يديه، وهما ترفان طراءة.
ومع اليدين مقاصد يبتعد بها التفكير عن حدود المتاع في ذاته، أو عن أصول الموضوع الذي استدعى النقش، مقاصد تهديها القوة المشرفة على تهذيب العلاقات القائمة بين أجزاء التشكيل، في طائفة من المصورات التي تفيض بالوجدانيات، وتتخطى اللذة المحض، حتى إن الفارابي أنزلها منزلة «الألحان الكاملة»، وحتى إن عبد القاهر الجرجاني، الناقد الألمعي، شبه وقعها في خاطر الناظر المفتون بفعل الأشعار في حس السامع المأخوذ: بدع وعبر هنا وهناك (الذيل 4).
على أن الزخرف لم يكن ليستأثر بأغراض النقش في أقدم النمنمات العربية المحكمة، فكثيرا ما كان يرد على جهة العرض إذا ورد، فإن هجم على الجوهر جاء تبعا للخيالات والإشارات، فلا يقع في القيمة الشعورية التي ينهض بها الموضوع، بل يتصل بلواحقها (اللوح 12أ، 12ب). غير أن هذه الحال تبدلت في البلاد العربية منذ الربع الأخير من المائة السابعة للهجرة على التقريب، لما عمدت رغبة التنميق، في عمه وشره، إلى طرائق فيها تكلف، ولا تكاد تلوح عليها حلاوة.
7
إن اللون يزيد في فعل التنميق، يستعمله المنقش المسلم لذاته. والبرهان أنه يعزل أصنافه بعضها عن بعض، وكذلك ينزله منزلة الغاية بأن يقيمه مقام الضوء، وهكذا يجيء اللون موفور الإشباع، لا يبالي بأن ينسخ الطبيعة أو يصفها: أويستطيع ذلك؟
ومن أحسن من الله صبغة (البقرة: 138).
Неизвестная страница