سخر زعماء الطائف من هذه الدعوة، واستخفوا بشخص الرسول الكريم ورسالته وأسمعوه الكلمات الجارحة، ولم يكتفوا بموقف الرفض والاستهزاء ، بل راحوا يؤلبون السفهاء والصبيان ويحثونهم على إيذاء الرسول وإخراجه من قريتهم ، فهاج الغوغاء يرمون الرسول بالحجارة ، ويسدون منافذ الطرق ، ويطاردونه في طرقات القرية ، ويسمعونه القول والكلمات الاثيمة .
تحمل الرسول هذا الاذى والاستخفاف، بقلب النبوة الكبير، وصبر صاحب الرسالة المؤمن بها، المتفاني من أجلها على ما أصابه من مشقة وعناء في رحلة الدعوة والجهاد هذه .
فكان مثالا للتضحية والصبر على الاذى والاضطهاد والثبات على الحق .
خرج الرسول (ص) من الطائف وهو يعاني من معاملة أهلها وقد أرهقه المسير والمطاردة والاذى وادميت قدماه ، حتى وصل بستانا (لعتبة وشيبة ابني ربيعة) وجلس تحت نخلة يناجي ربه ويشكو إليه المحنة :
« اللهم ! إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، اللهم ! يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟
إلى بعيد يتجهمني ، أو إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك علي غضب فلا ابالي ، ولكن عافيتك هي أوسع ، إني أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، من أن تنزل بي غضبك ، أو تحل بي سخطك » (1).
(54)
يئس رسول الله (ص) من ثقيف ، وحاشاه أن ييأس من حمل الدعوة إلى الاسلام والاصرار على مواصلة المسيرة والتبشير بالرسالة ، فهو رغم ما عانى من أذى وتعذيب واستهزاء كان راضيا مطمئنا ما دام عمله وجهاده ودعوته ترضي الله سبحانه، فهو لا يخاف الاذى والملاحقة والاستهزاء، إنما يخاف غضب الله وعدم رضاه.
Страница 72