Сират Мулук Табацина
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Жанры
هنا قاطعه الملك أرعد مشيرا في رثاء عبر شرفات قصره: ألا ترون ما انتهت إليه مدننا وتجارتنا من جراء إنشاء تلك المدينة العربية التي امتلأت ساحاتها في غمضة عين بورش الحدادة وصهر الحديد وصنع السلاح وتربية الخيول العربية حتى أصبحت اليوم ترسانة وحربة موجهة إلى صدورنا؟ صرخ الملك أرعد، وقد احمرت عيناه وتبدلت سحنته عن آخرها، فجرى إليه خدمه بالماء. - ألا ترون وتشهدون؟
وكان الوزير - عدو العرب - سقرديس، على دراية كاملة بتاريخ التباعنة وحروبهم في الشرق البعيد، وتجبرهم وفتوحاتهم، فأعاد إلى الأذهان أساليب التباعنة في الغزو القائم على الخداع، مثلما حدث مع التبع حسان اليماني - عم ذو اليزن - حين اجتاحت جيوشه المتسترة بالأشجار مدينة اليمامة وأسرت أميرتها الزرقاء التي حذرت قومها الغافلين طويلا دون جدوى، وهو بذاته ما يحدث الآن.
أما الوزير الحكيم الثاني للملك سيف أرعد، وهو «أبو ريفة» فقد رفض ذلك المنطق وآثر التروي وتدبر الأمر قبل الاندفاع بالقتال والحرب مع سليل «تباعنة اليمن» وما عرف عنهم من بأس.
كان «أبو ريفة» وأصله من بلاد الحجاز، ما يزال لسانه عربيا، وما كان يعبد «زحل» كالأحباش، وكان محبا للعرب متقربا منهم؛ لذا آثر منذ البداية رفع صوته والإدلاء الهادئ برأيه للملك أرعد، محبذا عدم المبادرة بالهجوم والحرب ضد العرب النازلين. - فلعل النازل، يرحل يوما، بلا حرب وويلات وأنهار دماء.
ولما كان الوزير الحكيم «أبو ريفة» مقربا من الملك أرعد، فقد أسلم له أذنيه منصتا لمشورته، في هذه الظروف العصيبة التي حلت بالأحباش وبلادهم وهيمنتهم على مشارف أفريقيا.
إلا أن الوزير الأول، لم يطق على نزول العرب صبرا، واندفع من فوره يزين للملك سرعة الحركة والمبادرة ضد التبع ذو اليزن، ما دامت الحرب هي في ذاتها خدعة، فلم لا تلجأ إلى المكيدة والخداع؟ - كيف؟ - نرسل له بالجارية «قمر» حليلة.
هنا استكان الملك أرعد لرأي وزيره «سقرديس» منصتا مفكرا: ولعلك أيها الملك الأقدر على معرفة «قمرية، سكة الأذية» أكثر من غيرك.
فهي جارية نادرة، بديعة الجمال باهرة الحضور والغناء والكلام، كما أنها داهية الدواهي كمثل أفعى، بل هي أفعى أودت بحياة الكثيرين بمنقوع سمها الزعاف.
وحين انتشى ملك الأحباش سيف أرعد، من مكيدة وزيره «سقرديس»، هب من عرشه مشيرا إلى خدمه بإخلاء طريقه إلى حيث يقيم حريمه للاجتماع بتلك الجارية المسمومة قمرية.
وحاول الوزير الثاني أبو ريفة اللحاق بالملك سيف أرعد، للحيلولة دون تدخل تلك الجارية - الداهية - شديدة الطموح والتلون والناطقة بكل لسان ولهجة، في ذلك الأمر الخطر، إلا أن سيف أرعد لم يعطه آذانا مصغية، هاتفا وهو يقارب ديوانها: قمرية، أيتها الأذية.
Неизвестная страница