بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: حمدا لله على ما أولانا من النعم، وصلواته على رسوله سيدنا محمد سراج البهم وعلى آله ينابيع الحكم وأرباب الفضل والكرم، فإن الله تعالى جعل العهود والذمم أصلا في الوثائق والعصم، ومعتمدا للأمم من العرب والعجم، وهي أماناته التي جعلها على عباده عبئا ثقيلا وحملا محمولا حيث يقول الله تبارك وتعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}(1) وعلى إثر ذلك فإن أمير المؤمنين المهدي لدين الله أحمد بن الحسين بن القاسم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما افتتح مدينة صنعاء وحصر أميرها أسد الدين محمد بن الحسن بن علي بن رسول في حصنها المعروف ببراش وقابله عليه السلام مدة شهر ثم جنح الأسد للصلح والتمسه من أمير المؤمنين حتى ضاقت مذاهبه وأعيت مطالبه وكان ذلك على أيدي جماعة من وجوه الناس وكبارهم وكان قدح العناية في ذلك المعلى ونصيبها الأتم الأعلى للشيخ الرئيس جمال الدين الورد بن محمد بن أسعد [64ب-أ] بن ناجي أسعف أمير المؤمنين عند ذلك سؤال السائلين وجوب اعتمادا على قول العزيز الحكيم: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم}(2) فانبرم الصلح بين أمير المؤمنين وبين الأسد على عقود أكيدة وشروط شديدة علمها من ضمته الأقطار الصنعانية من وجوه العرب والعجم، وغيرهم من سائر الناس وكان من الوثائق بين أمير المؤمنين وبين الأمير الأسد الأيمان المؤكدة، وتسليم الذمم المشهورة من العلمين والسيفين، وتسليم الأمير أسد الدين لولده رهينة في الوفاء لأمير المؤمنين إلى جهة السلاطين الأجلاء الرؤساء السلميين إلى بيت ردم وسلم له أمير المؤمنين في مقابله رهينتين من أولاد السلاطين المذكورين إلى جهة الشيخ جمال الدين الورد بن محمد على أن أسد الدين إن تبين منه غدر أو مكر في أمير المؤمنين كان على الشيخ الورد تسليم الرهينين إلى أهلهما وهو غير ملوم في ذلك من أسد الدين ولا من أحد من المخلوقين وكان ولد الأسد باقيا عند أمير المؤمنين وإن كان الوفاء من الجنسين جميعا كانت الرهائن بعد وفاته أشهر من عقد الصلح ولد أسد الدين وولدا السلاطين مسلمة إلى أهلها وانبرم الصلح كذلك ونهض أسد الدين في عسكره وعسكر أمير المؤمنين لحرب ابن عمه الملك المظفر واستنقاذ أخيه فخر الدين من اعتقال المظفر وكان مما انطوى عليه الصلح وسطرت عليه الكتب وهو باق فيها وشهد به الشهود وقبضت الأيمان والوثائق أن ابن عمه الملك المظفر إن جنح إلى السلم أو طلب الفداء لفخر الدين بشيء من الحصون والبلاد لم يفعل أسد الدين شيئا من ذلك إلا برأي أمير المؤمنين ومشاورته وكان من الأمر المشهور أن الأسد لما انحدر عن نقيل صيد كاتب ابن عمه ودار بينهما المصلحون ولقيه بعد ذلك وصالحه وصاحت بذلك بينهما الصوائح وقبضت الذمم وجرت الأيمان وانفصل الأمر بينهما كذلك من غير مراجعة لأمير المؤمنين وضم الملك المظفر إلى ابن عمه هذا عسكر من عسكره وأمره بالإنقلاب بعد أن قواه بالعساكر والأموال لحرب أمير المؤمنين وكان هذا كله شاهرا ظاهرا يعلم من علم ذلك الصلح الأول من العرب والعجم، ومن جملة ما فعله أسد الدين وتظاهر به في تلك الأحوال ما رجع إليه من شرب الخمور التي حلف لأمير المؤمنين على هجرها وطمس رسومها، وظاهر ما فعله في هذا وحده فضلا عن غيره يكفي في الإعلان بنقض الصلح ويقضي ببطلان قول الأسد أنه باق على صلح ابن عمه على ما كان بينه وبين أمير المؤمنين في ظاهر ما ذكرناه في هذا الكتاب يوضح بأن الأسد قد غدر بأمير المؤمنين في الوجوه كلها وأنه ليس للشيخ جمال الدين الورد بن محمد أن يمسك الرهينتين ولدي [65أ-أ] السلاطين بل إرسالهما هو الواجب عليه وإمساكهما من الغدر الذي لا يليق بمثله وولد الأسد باق عند أمير المؤمنين قد وفى وطاب وأن أسد الدين قد غدر وخاب يشهد بذلك من يأتي بذكره في هذه الصحيفة من وجوه الناس وسادات القبائل وسائر المسلمين في شهر صفر سنة سبع وأربعين وستمائة سنة، وأشهد أمير المؤمنين على الكتاب، ثم خرج من صنعاء من الدار السلطانية ومنع الناس من خرابها وقال: هي دارنا عن قريب إن شاء الله تعالى فكان كما ظن سلام الله عليه.
فخرج عليه السلام ليلة السبت وهي الليلة الثامنة من ذي الحجة آخر سنة ثمان وأربعين وستمائة وكانت مدة إقامته عليه السلام سبعة أشهر إلا خمسة أيام، ودخل أسد الدين في من معه ضحوة النهار يوم السبت ثاني خروج أمير المؤمنين وقد كان خرج من أهل صنعاء خلق كثير ممن يخاف الله سبحانه ويعلم أن الهجرة واجبة عليه ولم يبق في صنعاء إلا من كان ضعيف لم يمكنه النقلة في الحال أو كان مبطنا للنفاق بعيدا عن الحق.
قال الراوي: ولما استقر أمير المؤمنين عليه السلام بسناع وهي هجرة أسسها الفضلاء من علماء أهل البيت وأشياعهم من عجائب الهجر تنبع من حيطانها الأنهار وتتضاحك من جناباتها الأزهار على ميلين من صنعاء إلى جهة المغرب أو نحو ذلك وهي من بلد السلاطين الأجلاء أنصار أمير المؤمنين وسيوف الحق المبين الوشاح بن عمران بن الذيب الشهابي وكافة بني عمه.
Страница 209