Сираж аль-мулук
سراج الملوك
Издатель
من أوائل المطبوعات العربية
Место издания
مصر
المتتبع لطيب الروائح يطلب ما يقطر من أذن الفيل لطيب رائحته، فإنه في طيب رائحته المسك فيلهيه طيب الرائحة عن الاحتراس من تحريك الفيل أذنه، فيتولج في أصل أذنه فتقع عليه ضربة الأذن فتقتله. والسمك في البحر تحمله لذة الطعم أن يبتلعه فتحصل السنارة في جوفه فيكون في حتفه. وذكر هذا الحكيم أن خصالًا معروفة قتلت بالإفراط فيها ملوكًا معروفين فالصيد مات منه قيدة الملك، والإفراط في القمار مات منه قيشوب الملك، والإفراط في السكر مات منه مخارق الملك، وشدة الحرص مات منها
مهريق الملك، والغضب أحر سبحى الملك، والطمع وائل، والفرح واطاب، والأنفة بوليس، والتواني زمير نهر. وأخلق بخصال أهلكت ملوكًا أن يتجنبها الملوك. واعلم أن الرعية تستمطر الملك العادل استمطار أهل الجدب للغيث، وينتعشون بطلعته عليهم كانتعاش النبات بما يناله من القطر، بل الرعية بالملك العادل أتم نفعًا منها بالغيث، لأن لمنفعة الغيث وقتًا معلومًا وعدل الملك لا يتعين له وقت. ويحسن بالملك أن يشبه تصاريف تدبيره بطباع ثمانية أشياء: الغيث والشمس والقمر والريح والنار والأرض والماء والموت. فأما شبه الغيث فتواتره في أربعة أشهر من السنة ومنفعته لجميع السنة، وكذلك ينبغي للملك أن يعطي جنده وأعوانه أربعة أشهر تقدير التتمة السنة، فيجعل رفيعهم ووضيعهم في الحق الي يستوجبونه بمنزلة واحدة كما يسري المطر بين كل أكمة وشرف وغائط مستفعل ويغمر كلًا من مائه بقدر حاجته، ثم يستجبي الملك في الثمانية أشهر حقوقه من غلاتهم وخراجهم كما تجبى الشمس بحرها وحدة فعلها نداوة الغيث في أربعة أشهر الأمطار.
وأما شبه الريح فإن الريح لطيفة المداخل تسرح في جميع المنافذ حتى لا يفوتها مكان، كذلك الملك ينبغي أن يتولج في قلوب الناس بجواسيسه وعيونه لا يخفون عنه شيئًا حتى يعرف ما يأتمرون به في بيوتهم وأسواقهم. وكالقمر إذا استهل تمامه فأضاء واعتدل نوره على الخلق وسر الناس بضوئه، وينبغي أن يكون الملك ببهجته وزينته وإشراقه في مجلسه وإيناسه رعيته ببشره، فلا يخص شريفًا دون وضيع بعدله. وكالنار على أهل الدعارة والفساد. وكالأرض على كتمان السر والاحتمال والصبر والأمانة. وكعاقبة الموت في الثواب والعقاب يكون ثوابه لا يقصر عن إقامة حد ولا يتجاوزه. وكالماء في لينه لمن لا ينه، وهدمه واقتلاعه عظيم الشجر لمن جاذبه.
واعلم أنه قد يكتنف السلطان من شرار الناس والأعوان على الحاجة إليهم من يستبشع ويستكره، كالحيات تكتنف بالصندل فيقتلها الصندل بطيب رائحته وبرده، وينتفع الصندل بها إذ لا يقرب منه من يريد قطعه. وليكن فيك مع تلطفك تشديد لئلا يجترأ عليك، فإن القمر يستضاء بضوئه ويظهر له، والشمس يستظل من حرها ويستكن لها. وقد قالت العرب في مثل هذا لا تكن حلوًا فتسترط ولا مرًا فتلتفظ. اجعل لكل طبقة من أعدائك أشباههم من أعوانك يسوسونهم، فإنهم كالماء في الأذن لا حيلة في إخراجه بأرفق من الماء الذي هو من جنسه، وإذا عاديت رجلًا فلا تعاد كل جنسه، واستبق من جنسه أحدًا عسى تنتفع به، فإن السيف القاتل من جنس الدرع الواقي، ولا تطمعن في الكذوب والمطبوع على الشر أن تعطفهما بالإحسان فإنهما كالقرد كلما سمن بالطعام والحلاوة والدسم ازداد وجهه قبحًا.
وقد يرد الواحد كيد الجميع إذا كان عاقلًا، كما يرد حر شعاع الشمس إذا كان واقيًا غاية
1 / 193