فدلّ على سخافة عقله، واستحكام جهله؛ وضرّه الغريب الذى أتقنه ولم ينفعه، وحطّه ولم يرفعه، لمّا فاته هذا العلم، وتخلّف عن هذا الفن.
وإذا أراد أيضا تصنيف كلام منثور، أو تأليف شعر منظوم، وتخطّى هذا العلم ساء اختياره له، وقبحت آثاره فيه؛ فأخذ الردىء المرذول، وترك الجيد المقبول، فدلّ على قصور فهمه، وتأخّر معرفته وعلمه.
وقد قيل: اختيار الرجل قطعة من عقله؛ كما أنّ شعره قطعة من علمه.
وما أكثر من وقع من علماء العربية فى هذه الرذيلة! منهم الأصمعى فى اختياره قصيدة المرقش «١»:
هل بالدّيار أن تجيب صمم ... لو أنّ حيّا ناطقا كلّم «٢»
ولا أعرف على أىّ وجه صرف اختياره إليها، وما هى بمستقيمة الوزن، ولا مونقة «٣» الروىّ، ولا سلسلة اللفظ، ولا جيّدة السّبك، ولا متلائمة النسج.
وكان المفضّل يختار من الشعر ما يقلّ تداول الرواة له، ويكثر الغريب فيه؛ وهذا خطأ من الاختيار؛ لأنّ الغريب لم يكثر فى كلام إلّا أفسده، وفيه دلالة الاستكراه والتكلّف.
وقال بعض الأوائل: تلخيص المعانى رفق، والتشادق «٤» من غير أهله بغض، والنظر فى وجوه الناس عىّ، ومسّ اللّحية هلل «٥»، والاستعانة بالغريب عجز، والخروج عمّا بنى عليه الكلام إسهاب. وكان كثير من علماء العربية يقولون:
ما سمعنا بأحسن ولا أفصح من قول ذى الرّمة «٦»:
1 / 3