واعلم أن لصناعة الكلام آفات كثيرة، وضروبا من المكروه عجيبة، منها ما هو ظاهر للعيون والعقول، ومنها ما يدرك بالعقول ولا يظهر للعيون، وبعضها وإن لم يظهر للعيون وكان مما يظهر للعقول فإنه لا يظهر إلا لكل عقل سليم جيد التركيب، وذهن صحيح خالص الجوهر، ثم لا يدركه أيضا إلا بعد إدمان الفكر، وإلا بعد دراسة الكتب، وإلا بعد مناظرة الشكل الباهر، والمعلم الصابر. فإن أراد المبالغة وبلوغ أقصى النهاية، فلا بد من شهوة قوية، ومن تفضيله على كل صناعة، مع اليقين بأنه متى اجتهد أنجح، ومتى أدمن قرع الباب ولج.
فإذا أعطى العلم حقه من الرغبة فيه، أعطاه حقه من الثواب عليه.
فصل منه
ومن آفات صناعة الكلام أن يرى من أحسن بعضها أنه قد أحسنها كلها، وكل من خاصم فيها ظن أنه فوق من خاصمه حتى يرى المبتدىء أنه كالمنتهي ويخيل إلى الغبي أنه فوق الذكي. وأيضا أنه يعرض عن أهله وينصب لأصحابه من لم ينظر في علم قط، ولم يخض في أدب منذ كان، ولم يدر ما التمثيل ولا التحصيل، ولا فرق ما بين الإهمال والتفكير.
Страница 246