كلمة المؤلف
مقدمة
العلاقة بين الصين والشرق الأدنى
التحف الصينية والفنانون الصينيون في الشرق الإسلامي
إعجاب المسلمين بالتحف الفنية الصينية
مظاهر الأثر الصيني في الفنون الإسلامية
خاتمة
شرح اللوحات الفنية
المراجع
كلمة المؤلف
Неизвестная страница
مقدمة
العلاقة بين الصين والشرق الأدنى
التحف الصينية والفنانون الصينيون في الشرق الإسلامي
إعجاب المسلمين بالتحف الفنية الصينية
مظاهر الأثر الصيني في الفنون الإسلامية
خاتمة
شرح اللوحات الفنية
المراجع
الصين وفنون الإسلام
الصين وفنون الإسلام
Неизвестная страница
تأليف
زكي محمد حسن
كلمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد فإن نواة هذا الكتاب الصغير بحث ألقيته في المؤتمر السنوي الحادي عشر المجمع المصري للثقافة العلمية.
وقد أشرف على إعداده للطبع حضرة الزميل الأستاذ حضرة الزميل الأستاذ إسماعيل مظهر عضو المجمع، فيسرني أن أقدم إليه وافر الشكر.
زكي محمد حسن
مقدمة
إن سنة الفنون جميعها أن يؤثر بعضها في بعض، وأن تتوارث وتتبادل الأساليب الفنية المختلفة. وقد وجد علماء الفنون والآثار أن العناصر الزخرفية في كل فن من الفنون مشتقة من عناصر زخرفية في فن أعرق منه في القدم، وأن هذه السلسلة الراجعة تعود بنا إلى أقدم مراحل الفن التي نعرفها في مصر، وبلاد الجزيرة، والصين، والهند، وبلاد الإغريق.
ولا يزال الإخصائيون في علم ما قبل التاريخ يثابرون على البحث وعمل الحفائر الأثرية؛ لمعرفة الخطوات التي خطاها الإنسان منذ عصوره الأولى حتى نشأت الطرز الفنية الرئيسية في مصر، وبلاد الجزيرة، والصين، وبلاد اليونان، وكثير من الباحثين لا يجعلون الفن الإغريقي فنا رئيسيا، ويشيرون إلى أنه نقل عن مصر وبلاد الجزيرة قسطا وافرا من عناصره الفنية، وإن تكن هذه العناصر لم تصله في معظم الأحيان من مصادرها مباشرة، بل أخذها عن بعض مراكز المدنية الأولى في البحر المتوسط مثل فينقية، وكريت، وميسيني.
Неизвестная страница
1
ومهما يكن من الأمر فإن الذي يعنينا الآن هو أن الفن الصيني فن عريق في القدم، احتفظ بكثير من أساليبه الفنية على كر العصور، وازدهر في محيط اجتماعي واسع، وكانت له وحدة فنية منذ الألف الثالثة قبل المسيح إلى العصر الحاضر، وقد عرف المسلمون هذا الفن منذ فجر الإسلام، وأعجبوا بمنتجاته فتأثروا بها.
فموضوع البحث الذي نحن بصدده هنا يشمل بيان العلاقة بين الصين والشرق الأدنى في العصر الإسلامي، ثم التحدث عن وجود التحف الصينية في المدن الإسلامية في العصور الوسطى، وعن إعجاب المسلمين بتلك التحف، وعن تقليدهم إياها، ومحاكاتهم بعض الأساليب الفنية فيها، وعن أوجه الشبه بين فنون الشرقين الأدنى والأقصى، تلك الأوجه التي مهدت السبيل لهذا التبادل الفني، وجعلته سهلا ميسورا.
ولا ننسى في هذه المناسبة أن من فضل العرب في ميدان الحضارة معرفتهم أن قصب السبق في الفنون حازته الأمم الحضرية القديمة، فلما وحد الإسلام كلمتهم، وعظم به شأنهم، فامتدت فتوحاتهم، وأخضعوا الإيرانيين، ودانت لهم مستعمرات بيزنطة في آسيا وأفريقية، أتيح لهم الاتصال بالحضارات القديمة، وتركوا قسطا وافرا من حياتهم البدوية، وشملوا برعايتهم الصناع والفنانين من أهل البلاد المغلوبة على أمرها؛ فقام للإسلام فن جميل على أنقاض الأساليب الفنية التي كانت سائدة في الأقاليم التي فتحها العرب، وجعلوها قواما لعاهليتهم الواسعة الأطراف. وقد جمع الإسلام شتات هذه الأساليب الفنية المختلفة، وطبعها بطابعه، ولكن أتيح لها بعد ذلك أن تتأثر بفنون الشرق الأقصى، وسنرى في الصفحات التالية أن هذا الأثر كان واضحا في القسم الشرقي من العالم الإسلامي.
العلاقة بين الصين والشرق الأدنى
اتصل العرب والإيرانيون والمصريون بالشرق الأقصى قبل الإسلام؛ فقد كانت التجارة بين الصين والهند ومواني البحر الأبيض في يد العرب في الجاهلية، واتسعت هذه التجارة في القرن السادس الميلادي بطريق جزيرة سرنديب، وزاد اتساعها في القرن السابع، وأصبح ثغر سيراف على الخليج الفارسي مركزا لتوزيع البضائع الصينية في إيران وبلاد العرب. وقد ذكر المسعودي أن السفن الصينية كانت تدخل في نهر الفرات إلى الحيرة.
1
أما تجارة الحرير بين الصين، وروما، وبيزنطة، فكانت تمر بإيران وبلاد الجزيرة آتية من وسط آسيا، وظلت هذه التجارة في يد الإيرانيين عدة قرون. وكان الصينيون والإيرانيون قبل الإسلام بمدة طويلة يعجب كل منهم بالموضوعات الزخرفية على المنسوجات في البلد الآخر ، ويعمل على محاكاتها، فتخرج مصانع النسج أقمشة صينية نفيسة وذات زخارف ساسانية، وأقمشة إيرانية وذات زخارف صينية.
ولم يضعف اتصال إيران بالصين حين نقصت تجارة المنسوجات الحريرية بسبب تربية دودة القز في بيزنطة منذ منتصف القرن السادس الميلادي.
2
Неизвестная страница
ويلوح كذلك أن مصر في العصر المسيحي كانت متصلة بآسيا الوسطى والأقاليم الغربية من الصين. ومن الأدلة على ذلك الزخارف القبطية التي ترى على قطعة من جلد كتاب عثرت عليه في مدينة خوتشو البعثة العلمية الألمانية التي قامت بالحفائر في طرفان وغيرها من المراكز الفنية في بلاد التركستان الصينية، وقد لوحظ كذلك أن بعض الرسوم والتزاويق البوذية في طرفان عليها مسحة مصرية قديمة؛ مما يمكن تفسيره بأن أولئك الفنانين في غربي الصين وصلهم شيء عن الفن المصري القديم.
3
ومما يؤيد اتصال الصين بمصر في القرن السادس الميلادي وفي فجر الإسلام أن كتبا مانوية مكتوبة باللغة القبطية قد كشفت في مصر حديثا.
4
أما الاتصال بين الصين والعالم الإسلامي، فيرجع إلى عهد أسرة تنج (أو طانج)، التي حكمت الصين بين عامي 618 و906 بعد الميلاد.
وقد قيل: إن النبي - عليه السلام - قال: «اطلبوا العلم ولو في الصين.» ولسنا نستطيع أن نقطع بصحة نسبة هذا الحديث إليه
صلى الله عليه وسلم ؛ ولكنه يدل على أن العرب كانوا يعرفون الصين ويدركون بعدها عنهم.
وجاء ذكر المسلمين في المصادر الصينية لأول مرة في بداية القرن السابع الميلادي،
5
وأشار المؤرخون الصينيون إلى الدين الجديد في «مملكة المدينة»، وذكروا مبادئ الإسلام، قائلين: إنها تختلف عن مبادئ بوذا، وإن أتباعها لا تماثيل في معابدهم ولا أصنام ولا صور؛ وأضافوا إلى ذلك أن فريقا من المسلمين قدموا إلى كنتون في فاتحة حكم أسرة «تنج» وحصلوا من إمبراطور الصين على الإذن بالبقاء فيها، واتخذوا لأنفسهم بيوتا جميلة تختلف في طرازها عن البيوت الصينية، وكانوا يطيعون رئيسا ينتخبونه من بينهم.
Неизвестная страница
6
وفي بعض الأساطير عند المسلمين من أهل الصين أن ملك تلك البلاد «تاي تسونج» أرسل إلى النبي - عليه السلام - ليوفد بعثة لنشر الإسلام في الصين ، فبعث النبي ثلاثة من الصحابة، توفي اثنان منهم في الطريق ووصل الثالث إلى الصين، فأحسن الملك استقباله وساعده في إنشاء مسجد بمدينة كنتون. كما أن في بعض أساطيرهم الأخرى أن الإمبراطور الصيني «ون تي» بعث إلى النبي رسولا يطلب إليه أن يسافر بنفسه إلى الصين، فاعتذر عليه السلام، وأوفد مع الرسول أربعة من الصحابة على رأسهم خاله سعد بن أبي وقاص، الذي كان أول من بشر بالإسلام في الصين، والذي يقال: إنه توفي فيها ودفن في ظاهر مدينة كنتون بقبر لا يزال ينسب إليه،
7
وقد زعموا في هذه المناسبة أن رسول الإمبراطور رسم صورة رسول الله سرا وسلمها إلى سيده، على أن هذه الأساطير لا تقوم على أي أساس علمي صحيح.
وأكبر الظن أن الإسلام دخل إلى الصين على يد تجار ساروا في الطريق البحري الذي كانت تتبعه السفن التجارية،
8
ولكن أقدم اتصال سياسي بين الصين والشرق الإسلامي جاء ذكره في المصادر التاريخية كان بالطريق البري؛ فإن فيروز بن يزدجرد كتب إلى إمبراطور الصين يسأله المساعدة في صد غارة العرب الذين فتحوا بلاده وهلك على يدهم أبوه يزدجرد ملك الفرس، وقد أبى إمبراطور الصين أن يقدم إليه المدد العسكري المطلوب، محتجا ببعد الشقة.
9
ولكن قيل: إنه أرسل إلى المدينة مندوبا من قبله للدفاع عن قضية فيروز وليتبين قوة الجماعة الإسلامية الفتية. وقيل أيضا: إن الخليفة عثمان بن عفان أرسل أحد قواد العرب لمرافقة السفير الصيني في عودته سنة 651م، وإن إمبراطور الصين أكرم وفادة هذا القائد.
وفي عهد الوليد بن عبد الملك (86-96ه/705-715م) قدم القائد العربي قتيبة بن مسلم واليا على خراسان، فكانت له فيها حروب وفتوح، وعبر نهر جيحون (أموداريا
Неизвестная страница
Oxus )، ودانت له بخارى وسمرقند وغيرهما من المدن، حتى وصلت جيوشه إلى حدود الصين؛ فأرسل إلى الأمير الصيني وفدا ذكرت المصادر العربية خبره، فكتب الطبري أن ذلك الأمير قال لهبيرة بن المشمرج الكلابي زعيم المندوبين العرب: «انصرفوا إلى صاحبكم فقولوا له ينصرف؛ فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه وإلا بعثت عليكم من يهلككم ويهلكه.» فأجاب هبيرة: «كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون؟! وكيف يكون حريصا من خلف الدنيا قادرا عليها وغزاك؟! وأما تخويفك إيانا بالقتل فإن لنا آجالا إذا حضرت فأكرمها القتل؛ فلسنا نكرهه ولا نخافه.» قال: «فما الذي يرضي صاحبك؟» قال: «إنه قد حلف أن لا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويعطى الجزية.» قال: «فإنا نخرجه من يمينه، نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطؤه، ونبعث ببعض أبنائنا فيختمهم، ونبعث إليه بجزية يرضاها.» قال الطبري: «فدعا بصحاف من ذهب فيها تراب وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجازهم فأحسن جوائزهم، فساروا فقدموا بما بعث به فقبل قتيبة الجزية، وختم الغلمة، وردهم ووطئ التراب.»
10
وقد ذكرت المصادر التاريخية الصينية أن رسولا اسمه سليمان جاء من قبل الخليفة هشام بن عبد الملك إلى الإمبراطور الصيني «هسوان تسونج» سنة (726م/108ه)، وزادت العلاقة السياسية بين العرب والصين في نهاية حكم هذا الإمبراطور؛ فإن ثائرا أقصاه عن العرش فتنازل عنه لابنه «سو تسونج» سنة (756م/139ه). وطلب هذا الملك الجديد من الخليفة العباسي المنصور أن يظهره على خصمه المغتصب، فلبى المنصور طلبه، وأرسل إليه فرقة من الجنود العرب، استطاع بوساطتها أن يسترد سلطانه ويستولي على عاصمتيه سينجان فو وهونان فو، والمعروف أن أولئك الجند لم يرجعوا إلى بلادهم بعد انتهاء مهمتهم؛ بل طاب لهم العيش في الصين، فاستقروا فيها وتزوجوا من بناتها.
11
وتشهد المصادر الصينية بوجود جموع من المسلمين في الصين في عهد أسرة تنج، وكان معظمهم من التجار الذين نزلوا الثغور؛ ولا غرو فقد كانت التجارة بين الشرق والغرب في يد المسلمين إلى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي (التاسع الهجري)، وكان التجار المسلمون يبحرون من الخليج الفارسي - الذي كانوا يسمونه في القرن التاسع الميلادي (الثالث الهجري) الخليج الصيني
12 - ويعبرون المحيط الهندي مارين بسرنديب وجزائر البحار الجنوبية إلى أن يصلوا مواني الصين التجارية، وقد قل مجيء الصينيين أنفسهم إلى الخليج الفارسي منذ بداية القرن التاسع الميلادي، وزاد سفر العرب إلى البحار الجنوبية.
13
ومن المسلمين الذين زاروا الصين رحالة عربي اسمه سليمان، وصلنا وصف سياحته في الهند والصين - كتبه سنة (237ه/851م) - ومعه ذيل كتبه نحو سنة (304ه/916م) مؤلف اسمه أبو زيد حسن. وقد طبعت هذه الرحلة سنة 1811 على يد المستشرق لانجلس
Langlès ، ثم نشرها المستشرق رينو
Reinaud
Неизвестная страница
مع ترجمة فرنسية سنة 1845، كما أحاط بها المستشرق فران
Ferrand
في مجموعة الرحلات والنصوص الجغرافية العربية والفارسية والتركية الخاصة بالشرق الأقصى، والتي ترجمها إلى الفرنسية وعلق عليها، ونشرها في مؤلف من مجلدين.
14
وفي هذه الرحلة بيانات عن علاقة المسلمين بالصين في القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة (التاسع والعاشر بعد الميلاد)؛ منها أن مدينة خانفو - وقد كانت مجتمع التجار - كان فيها رجل مسلم «يوليه صاحب الصين الحكم بين المسلمين الذين يقصدون إلى تلك الناحية ... وإذا كان في العيد صلى بالمسلمين وخطب ودعا لسلطان المسلمين.»
15
وذكر هذا الرحالة «أن أكثر السفن الصينية تحمل من سيراف، وأن المتاع يحمل من البصرة وعمان وغيرها إلى سيراف، فيعبى في السفن الصينية بسيراف؛ وذلك لكثرة الأمواج في هذا البحر وقلة الماء في مواضع منه.» ثم وصف بعد ذلك المحطات المختلفة التي تقف عندها السفن في طريقها إلى الصين، وتطرق إلى الكلام عن «أخبار بلاد الهند والصين أيضا وملوكها»، ومما كتبه في هذا الفصل «أن أهل الهند والصين مجمعون على أن ملوك الدنيا المعدودين أربعة»، فأول من يعدون من الأربعة ملك العرب، وهو عندهم إجماع لا اختلاف بينهم فيه أنه أعظم الملوك وأكثرهم مالا وأبهاهم جمالا (كذا)، وأنه ملك الدنيا الكبير الذي ليس فوقه شيء.
16
ويعد ملك الصين نفسه بعد ملك العرب!
17
Неизвестная страница
وفي الذيل الذي كتبه أبو زيد أحاديث طلية عن علاقة المسلمين بالصين، وبعضها بعيد الاحتمال، كحديث القرشي المسمى ابن وهب الذي زار بلاط ملك الصين، ورأى فيه صور الرسل، وبينها صورة محمد - عليه السلام - راكبا جملا وأصحابه محدقون به،
18
وقد أشار المسعودي إلى هذه القصة في كتابه «مروج الذهب» بالفصل الذي عقده للحديث عن ملوك الصين.
19
ولكن الظاهر أن المواصلات البحرية لم تكن متصلة تماما بين الصين والشرق الأدنى في عصر المسعودي (القرن 4ه/10م)؛ فإن السفن من الجانبين لم تعد تبحر إلا حتى مدينة تسمى «كلة» في منتصف الطريق بين البلدين.
وقد أشار المسعودي إلى ذلك في حديثه عن رجل من التجار من أهل مدينة سمرقند «خرج من بلاده ومعه متاع كثير حتى انتهى إلى العراق، فحمل من جهازه وانحدر إلى البصرة، وركب البحر حتى أتى إلى بلاد عمان، وركب إلى بلاد كلة وهي النصف من طريق الصين أو نحو ذلك، وإليها تنتهي مراكب الإسلام من السيرافيين والعمانيين في هذا الوقت فيجتمعون مع من يرد من أرض الصين في مراكبهم وقد كانوا في بدء الزمان بخلاف ذلك؛ وذلك أن مراكب الصين كانت تأتي بلاد عمان وسيراف من ساحل فارس وساحل البحرين والأبلة والبصرة؛ فلذلك كانت المراكب تختلف في المواضع التي ذكرنا إلى ما هناك، ولما عدم العدل وفسدت النيات وكان من أمر الصين ما وصفنا التقى الفريقان جميعا في هذا النصف، ثم ركب هذا التاجر من مدينة كلة في مراكب الصينيين إلى مدينة خانفو.»
20
وكذلك أشار المسعودي إلى بعض أقوام السند يقال لهم: الميدوم، وتحدث عن قرصنتهم فقال: «ولهم بوارج في البحر تقطع على مراكب المسلمين المجتازة إلى أرض الهند والصين وجدة والقلزم وغيرها كالشواني في بحر الروم.»
21
وأشار أيضا إلى أن فاتحا أغار على مدينة خانفو (كنتون)، وقطع ما كان حولها من غابات شجر التوت؛ «إذ كان يحتفظ به لما يكون من ورقه وما يطعم منه لدود القز الذي يغزل به الحرير، فكان ذهاب الشجر داعيا إلى انقطاع الحرير الصيني وجهازه إلى بلاد الإسلام».
Неизвестная страница
22
ومما ذكره أبو زيد أن السفن الصينية القادمة من سيراف كانت إذا وصلت جدة أقامت بها ونقل ما فيها من الأمتعة التي تحمل إلى مصر في مراكب خاصة كانت تسمى مراكب القلزم؛ لأن مراكب السيرافيين كانت لا تستطيع الملاحة في شمالي البحر الأحمر.
وقد كانت حركة النهضة القومية الإيرانية في العصر العباسي تجد مرتعا خصبا في شرقي إيران ، حيث كان القوم على اتصال وثيق بأهل تركستان. وفي عصر بني سامان (261-389ه/874-999م) ببلاد ما وراء النهر كانت التجارة واسعة مع الصين، وكان الإقبال على منتجاتها شديدا، وكان الأويغور - سكان الطرق التجارية المارة بآسيا الوسطى - من أتباع المذهب المانوي، نقله إليهم لاجئون من إيران.
وقد وصل إلينا أن الأمير الساماني نصر بن أحمد (301-331ه/913-942م) أمر الشاعر الإيراني رودكي بنظم كليلة ودمنة، ثم طلب بعد ذلك إلى فنانين صينيين أن يوضحوا مخطوطات الترجمة المنظومة بالصور ليطرب الناس بقراءتها،
23
ولا ريب في أن بني سامان كان سهلا عليهم استخدام الفنانين من أهل الصين؛ فقد كانت صلتهم كبيرة ببلاط ملوك الصين،
24
وكانت تجارتهم مع تلك البلاد زاهرة؛
25
إذ كان الطريق البري بين البلدين مطروقا.
Неизвестная страница
26
وفضلا عن ذلك فإن الكاتب الصيني شاويوكوا
Chau-Ju-Kua
ترك بعض البيانات الثمينة عن التجارة بين الصين والشرق الإسلامي في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وقد كان هذا الكاتب مفتشا للتجارة الخارجية في إقليم فوكين بالصين، وكتب في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي مؤلفا عن الأمم الأجنبية وتجارتها مع بلاده، وعنوان هذا الكتاب شوفان شي
Chu-fan-chi
وقد ترجمه إلى الإنكليزية الأستاذان هرث
F. Hirth
وروكهل
W. W. Rockhil ، ونشراه سنة 1911 بمدينة سنت بطرسبرج مع شروح وتعليقات من مراجع أخرى، وصدراه بمقدمة فيها موجز عن تاريخ التجارة بين الشرقين الأقصى والأدنى، ذكرا فيه أن التجارة البحرية في العصور القديمة والعصور الوسطى بين مصر وإيران والشام من ناحية والشرق الأقصى والهند من ناحية أخرى، كان معظمها في أيدي العرب، وكانوا يؤسسون منذ العصور القديمة محطات في أهم المواني التي يمرون بها.
ومما كتبه ياقوت الحموي (المتوفى سنة 626ه/1229م) في مادة الصين من كتابه «معجم البلدان» أن شخصا اسمه إبراهيم بن إسحاق «كان يتجر إلى الصين فنسب إليها»، وأن سعد الخير الأنصاري الأندلسي كان يكتب لنفسه الصيني؛ لأنه كان قد سافر من المغرب إلى الصين، وأن بلدة صغيرة تحت واسط كان يقال لها الصينية، ويقال لها أيضا صينية الحوانيت.
Неизвестная страница
27
وحدث في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) أن ظهر المغول على مسرح السياسة في الشرق، وهم قوم رحل من صحراء غوبي في آسيا الوسطى، غزوا بلاد الصين بقيادة قبلاي خان (أخي هولاكو الذي قضى بعد ذلك على الدولة العباسية) سنة (605ه/1208م)، واستولوا على أزمة الحكم فيها، فأسسوا أسرة يوان التي ظلت صاحبة السلطان في تلك البلاد حتى عام (768ه/1367م)، وقد أغاروا على بلاد ما وراء النهر ثم على إيران وبلاد الجزيرة.
واستطاع هولاكو حفيد جنكيز خان أن يتوج فتوحات المغول بالاستيلاء على بغداد سنة (656ه/1258م)، بعد أن كان قد قضى على دولة ملوك خوارزم في النصف الأول من القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، وأسس في إيران أسرة الأيلخان التي ظلت تحكمها إلى سنة (736ه/1336م).
وهكذا نرى أن المغول أو التتر كانت لهم بين القرنين السابع والثامن بعد الهجرة (الثالث عشر والرابع عشر بعد الميلاد) دولة واسعة الأطراف في آسيا، فكانت الصين وإيران خاضعتين لحكم جملة أعضاء من بيت مغولي واحد، ومع أن أمراء الأسرة الأيلخانية وأتباعهم تهذبوا بالحضارة الإيرانية ثم اعتنقوا الإسلام، فإنهم لم يقطعوا أسباب العلاقة بينهم وبين المغول في الصين. على أن صلة أسرة شاه رخ أرسل مع بعض سفراء الصين ردا على إمبراطورهم يحييه فيه ويشرح له مزايا الإسلام ويدعوه إلى اعتناقه.
وظل المسلمون في الصين ينعمون برعاية الحكومة حتى سقطت أسرة منج، وخلفتها أسرة مانشو (سنة 1644م) التي قام المسلمون في عهدها ببضع ثورات.
على أن الجزء الشرقي من العالم الإسلامي ظل على اتصال بالصين في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (16-17م)، وسنرى أثر هذا الاتصال على المنتجات الفنية الإيرانية في عصر الدولة الصفوية،
28
وهي التي يقف عندها بحثنا في الفنون الإسلامية؛ لأن هذه الفنون بدأت في الاضمحلال منذ القرن الثاني عشر الهجري (18م)، فضلا عن أنها فقدت صلتها بفنون الشرق الأقصى؛ ويممت وجهها شطر أوروبا، تستلهم فنونها الأساليب الفنية والعناصر الزخرفية ، مما كان السبب الأكبر في فقدانها ذاتيتها ومميزاتها الخاصة.
التحف الصينية والفنانون الصينيون في الشرق الإسلامي
أوجزنا في الصفحات السابقة تاريخ العلاقة التجارية والسياسية بين الصين والشرق الأدنى، ونريد الآن أن نستعرض بعض النصوص الأدبية والتاريخية، وأن نلم ببعض نتائج الحفائر الأثرية، لنتبين إلى أي حد كان الفنانون الصينيون قد امتد نشاطهم إلى الشرق الأدنى، فاشتغل بعضهم في ربوعه، وأتيح لهم أن يؤثروا تأثيرا مباشرا في الفنانين المسلمين.
Неизвестная страница
والمعروف أن العرب حين فتحوا فرغانة وجدوا فيها شيئا كثيرا من بدائع التحف الصينية، ولا غرو فإن هذه الأقاليم تقع على مقربة من حدود الصين، وكان أهلها متصلين بالصين منذ العصور القديمة، كما أن صناعا من الصينيين كانوا بين الأسرى الذين وقعوا في يد العرب حين فتحوا تلك الأصقاع.
وقد أشار الطبري إلى بعض طرف الصين حين ذكر فتح مدينة كش من أعمال سمرقند على يد خالد بن إبراهيم والي بلخ سنة (134ه/751م)، فقال:
وفي هذه السنة غزا أبو داود خالد بن إبراهيم أهل كش، فقتل الأخريد ملكها ... وأخذ أبو داود من الأخريد وأصحابه حين قتلهم من الأواني الصينية المنقوشة المذهبة التي لم ير مثلها، ومن السروج الصينية ومتاع الصين كله من الديباج وغيره، ومن طرف الصين شيئا كثيرا.
1
وكان في بغداد منذ نهاية القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) سوق خاصة لبيع التحف الصينية. وقد كتب اليعقوبي في وصف بغداد:
وينقسم طرق الجانب الشرقي - وهو عسكر المهدي - خمسة أقسام، فطريق مستقيم إلى الرصافة الذي فيه قصر المهدي والمسجد الجامع، وطريق في السوق التي يقال لها: سوق خضير، وهي معدن طرائف الصين.
2
وفي المصادر الصينية نص تاريخي يشير إلى وجود فنانين صينيين بمدينة الكوفة في منتصف القرن الثامن الميلادي، فإن الكاتب الصيني «توهوان» كان في الأسر عند العرب سنة 751م، ونجح في الهرب سنة 762؛ ففر على سفينة تجارية إلى كنتون، ومنها إلى وطنه سينجان فو، ثم تحدث عن مدينة الكوفة في كتاب له، وذكر أن صناعا من بني وطنه كانوا أسرى فيها وأنهم علموا الصناع المسلمين نسج الأقمشة الحريرية الخفيفة، وصناعة التحف الذهبية والفضية، فضلا عن النقش والتصوير.
3
وقد يكون في حديث هذا الكاتب الصيني شيء من المبالغة، ولكن له مغزاه على كل حال.
Неизвестная страница
وأشار ابن خرداذبه المتوفى سنة (235ه/849م) في كتابه المسالك والممالك إلى بعض ثغور الصين وما يستورد منها، ثم أجمل القول عن صادرات تلك الأقاليم، فكتب:
والذي يجيء في هذا البحر الشرقي من الصين الحرير والفرند،
4
والكيمخاو،
5
والمسك، والعود، والسروج، والسمور
6
والغضار
7 ... إلخ.
8
Неизвестная страница
وتحدث الجاحظ (المتوفى سنة 255ه/869م) في كتابه «البخلاء»
9
عن أصدقاء زاروا رجلا عنده مائدة من حجر العقيق وآنية صينية ملمعة.
10
وقد عثر في أنقاض مدينة سامرا على أنواع من الفخار والخزف الصيني الذي يرجع عهده إلى أسرة تنج،
11
وفي القسم الإسلامي من متاحف الدولة في برلين مجموعة طيبة من هذا الخزف الصيني الذي عثرت عليه البعثة الألمانية في حفائر سامرا، والمعروف أن سامرا ظلت عاصمة العالم الإسلامي نحو خمسين عاما من القرن الثالث الهجري.
12
ومما ذكره التاجر سليمان في رحلته التي أشرنا إليها أن عند الصينيين الغضار الجيد يصنعون منه أقداحا في دقة القوارير الزجاجية مع أنها من الغضار.
13
Неизвестная страница
ومر بنا أن الأمير الساماني نصر بن أحمد طلب إلى فنانين صينيين أن يوضحوا بالصور بعض مخطوطات الترجمة التي نظمها الشاعر رودكي لكتاب كليلة ودمنة.
14
والمعروف أن بلاد ما وراء النهر وبلاد التركستان كانت في عصر الدولة السامانية (261-389ه/774-999م) أزهر الأقاليم الإسلامية؛ فكان بلاط أمرائها مجمع العلماء والأدباء والفنانين، وذاع صيت بخارى وسمرقند في أنحاء العالم الإسلامي، ولا ريب في أن بعض الصناع والفنانين من أهل الصين كان يقيم في تلك الأقاليم ويكسب عيشه بالعمل فيها؛ فإن كثيرين من أهل الصين كانوا يهاجرون إلى الأقاليم الغربية في بلادهم وإلى آسيا الوسطى ثم إلى الأصقاع الشرقية من الإمبراطورية الإسلامية.
وقد جاء ما يؤيد ذلك في يوميات راهب صيني سافر إلى إيران بطريق آسيا الوسطى بين عامي 1221 و1224 بعد الميلاد (618 و621 هجرية)؛ إذ كتب عند الكلام عن سمرقند: «إن الصناع الصينيين كانوا يعيشون هناك في كل مكان.»
15
وقد جاء في عدة مواضع من الشاهنامه ذكر التحف الواردة من الصين، من ذلك إشارة إلى جارح أسود، كان أكرم الجوارح على الملك بهرام، وكان الخاقان - ملك الصين - قد أهداه إليه «مع جملة من الهدايا والتحف وسائر ما يجلب من أرض الصين».
16
والمعروف أن أمير بغداد، حين لقب بمالك الدولة في سنة (423ه /1031م)، بعث للخليفة ألطافا كثيرة، كان منها ثلاثمائة مبخر صيني.
17
وكان بين الكنوز الفنية التي جمعها خلفاء الفاطميين ووزراؤهم مقادير كبيرة من الخزف الصيني، وقد فصلنا الكلام عن ذلك في كتابنا كنوز الفاطميين (ص68-70).
Неизвестная страница
وذكر القزويني (600-682ه/1203-1283م) في كتابه «آثار البلاد وأخبار العباد» أن التجار كانوا يصدرون من جاوة الأواني الصينية إلى كل بلاد الدنيا.
18
وجاء في كتاب جامع التواريخ للوزير رشيد الدين أن كثيرا من المصورين الصينيين قدموا إلى إيران في عهد هولاكو وغازان والجايتو، كما انتشرت في دولتهم الكتب الموضحة بالصور الصينية. والحق أن هولاكو وخلفاءه كانوا يشملون رجال الفن برعايتهم، بل كانوا حين يخربون المدن في حروبهم يعنون بإنقاذ الفنانين وأرباب الصناعات، وكان المغول يرسلون إلى الصين وآسيا الوسطى كثيرا من الفنانين والصناع الذين أبقوا على حياتهم حين كانوا يدمرون المدن في إيران والشرق الأدنى، ويمعنون في سكانها قتلا، وكان بعض أولئك الصناع يفلح في العودة إلى وطنه بعد العمل مع الصينيين والتأثر بأساليبهم الفنية.
وتحدث الغزولي (المتوفى سنة 815ه/1412م) في كتابه «مطالع البدور في منازل السرور» عن البلور وأنواعه وخواصه، وذكر أن منه ما يؤتى به من بلاد الصين.
19
وكتب ابن إياس (المتوفى سنة 930ه/1524م) في مؤلفه «نشق الأزهار في عجائب الأقطار» أن مدينة «لوفين»
20
كانت تصنع فيها المنسوجات المتعددة الألوان والأواني الخزفية الصينية التي تصدر إلى أنحاء العالم المختلفة.
21
ومما عثر عليه المنقبون عن الآثار في أطلال مدينة الفسطاط - أولى العواصم الإسلامية في مصر - قطع كثيرة من الخزف الصيني، وأكبر الظن أن ورود هذا الخزف إلى وادي النيل يرجع إلى عصر ابن طولون، الذي عرف طرائف الصين في سامرا، ولا ريب في أنه ظل يرد إلى مصر حتى عصر المماليك، وحسبنا أن الأمير بكتمر الساقي - الذي تزوجت ابنته أحد أبناء السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون - كان بين كنوزه الفنية مقدار وافر من خزف الصين.
Неизвестная страница
ومما كتبه المقريزي، في كلامه عن سوق الكفتيين - أي الذين يشتغلون بتطعيم المعادن (أو تكفيتها) بالذهب والفضة - أن «العروس من بنات الأمراء أو الوزراء أو أعيان الكتاب أو أماثل التجار» كانت تحمل إلى زوجها جهازا، منه مقدار من الخزف الصيني ومقدار من آنية أو أدوات من الورق سماها «كداهي»، وقال عنها: «وهي آلات من ورق مدهون تحمل من الصين، أدركنا منها في الدور شيئا كثيرا وقد عدم هذا الصنف من مصر إلا شيئا يسيرا.»
22
وذكر الأبشيهي (القرن 9ه/15م) أن يعقوب بن الليث الصفار أهدى إلى المعتمد على الله هدية في بعض السنين، بينها عشرون صندوقا على عشر بغال «فيهم طرائف الصين وغرائبه».
23
وقد استقدم تيمور من الصين نساجين كان لهم نصيب وافر من ازدهار صناعة النسج في إيران؛ كما أن حفيده أولوغ بك (850-853ه/1447-1449م) استدعى بعض المهندسين والصناع من تلك البلاد؛ ليشيدوا له قبة من القاشاني في بلاد ما وراء النهر، بل الظاهر أنه أتى بالقاشاني من بلاد الصين نفسها.
24
وأشار أمير البحر التركي سيدي علي جلبي
25
في كتابه «مرآة الممالك» إلى أن أبدع أنواع الخزف كان مصدرها مدينتين من مدن الصين.
والمعروف أن كشف طريق رأس الرجا الصالح قضى على احتكار المسلمين التجارة مع الشرق الأقصى؛ إذ أفلح البرتغاليون في القضاء على السيادة البحرية التي كانت للمسلمين في المحيط، ثم قبض الهولنديون ومن بعدهم الإنجليز على زمام التجارة مع البحار الشرقية.
Неизвестная страница
ومما فعله الشاه عباس الصفوي للنهضة بصناعة الخزف في إيران أن أحضر كثيرا من الخزفيين الصينيين مع أسراتهم إلى مملكته؛ لينشروا فيها تلك الصناعة حتى يمكن إصدار الخزف والصيني إلى أوروبا، فتحصل إيران على الأرباح الطائلة التي كانت تتدفق إلى الشرق الأقصى، وقد استقر هؤلاء الفنانون في مدينة أصفهان.
وكان تجار التحف الصينية ينزلون مدينة أردبيل في العصر الصفوي، كما قدم إلى شتى المدن الصناعية الإيرانية خزفيون من الصين يعرضون خدماتهم على أصحاب المصانع الفنية فيها ويساهمون في النهضة بصناعة الخزف الإيراني.
وروى بعض الرحالة أن تاجرين صينيين كان لهما حانوت لبيع الخزف الصيني بمدينة أردبيل في بداية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي).
26
ولا يفوتنا قبل ختام الحديث عن التحف الصينية في العالم الإسلامي أن المسلمين كانوا يستوردون من الصين أنواع الورق الصيني الفاخر، مما استعملوه في بعض مخطوطاتهم الثمينة، ومن المعروف أن أتباع الحلاج في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كانت لديهم مخطوطات من الورق الصيني الجميل مكتوب بعضها بمداد ذهبي وذات جلود لطيفة ومحفوظة في نسيج من الحرير.
27
بقي أن نشير إلى أتباع المذهب المانوي؛ فقد كانوا صلة بين الشرقين الأقصى والأدنى، وقد كان الخلفاء يضطهدونهم كما فعل الأكاسرة الساسانيون من قبلهم، وفر المانويون من هذا الاضطهاد في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، واستقروا في إقليم تركستان وغيره من أقاليم آسيا الوسطى.
والمعروف أن ماني بشر بدين جديد في إيران إبان القرن الثالث الميلادي، وكان مصورا ماهرا، كما كان للتصوير عنده وعند أتباعه شأن كبير في توضيح كتبهم الدينية، وتدل المصادر الأدبية والتاريخية في الشرق والغرب على أن أتباعه كانت لديهم مخطوطات مصورة فاخرة ومحفوظة في جلود فنية ثمينة، ولكن اضطهاد هؤلاء القوم قضى على مخلفاتهم الفنية، حتى إننا لم نكن نعرف عنها شيئا ماديا إلى سنة 1904 حين كشف الأستاذان فون لوكوك
Von le Coq
وجرينفيدل
Неизвестная страница
Grünwedel
بعض صور مانوية في أطلال مدينة من أعمال «طرفان» في بلاد التركستان الشرقية.
28
وقد كانت طرفان بين عامي 134 و225 بعد الهجرة (760-840م) عاصمة لدولة الأويغور التركية الجنس والمانوية المذهب،
29
وعثر فون لوكوك على صور حائطية على جدران بناء يظن أنه كان معبدا مانويا، وتشهد هذه الصور كلها بالعلاقة الوثيقة بين الفنون التي ازدهرت في آسيا الوسطى والفنون الصينية نفسها؛ مما يحملنا على القول بأن أتباع المذهب المانوي ساهموا في نقل الأساليب الفنية الصينية إلى شرق العالم الإسلامي.
على أن بعض مؤرخي الفنون يميلون إلى القول بأن آسيا الوسطى لم يكن لها أي أثر على الفنون الإسلامية؛ لأن هذا الإقليم لم يكن له فن خاص، بل كان يأخذ كل أساليبه الفنية عن الهند والصين وإيران
30
ونحن لا ننكر هذه الحقيقة الأخيرة ، ولكننا نعتقد أن آسيا الوسطى كانت واسطة في نقل كثير من الأساليب الفنية الصينية إلى إيران.
إعجاب المسلمين بالتحف الفنية الصينية
Неизвестная страница