قال: نظرت إلى هذا الخلق، وكل [واحد](1) منهم يرجع إلى الحسب والمال والشرف فإذا هولا شيء، ونظرت إلى قوله تعالى:{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم}[الحجرات:13](فاتقيت الله وخفته)(2)، قال: أحسنت يا حاتم، فما الخامسة ؟ قال: نظرت إلى هذا الخلق يطعن بعضهم (على بعض)(3)، ويغتاب بعضهم بعضا فعلمت أن أصل ذلك الحسد، ونظرت إلى قوله تعالى:{ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا}[الزخرف:32]فعلمت حقا أن القسم من الله فتركت الحسد، وأحببت الخلق، فقال: أحسنت يا حاتم، فما السادسة ؟، قال: نظرت إلى هذا الخلق يبغي بعضهم على بعض، ويقاتل بعضهم بعضا فنظرت إلى قوله تعالى:{إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا}[فاطر:6]فعاديته، واحترزت منه، وأخذت حذري منه؛ لأن الله قد شهد عليه أنه عدو لي فعاديته، وتركت عداوة الخلق، قال: أحسنت، يا حاتم، فما السابعة؟ قال: نظرت إلى هذا الخلق، كل واحد منهم يطلب هذه الكسرة، فيجهد نفسه، ويترك المفروض عليه، والطاعة، ويتعب نفسه، ويدخل فيما لا يعنيه، ثم نظرت إلى قوله تعالى:{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}[هود:6]فعلمت أني واحد من هذه الدواب المضمون رزقها فرزقي مضمون، فاشتغلت بالله، وتركت (ما ضمنه) (4)، قال:أحسنت، يا حاتم، فما الثامنة؟ قال: نظرت إلى هذا الخلق، فإذا هم: يتوكل أحدهم على صنعته، والآخر على تجارته، والآخر على صحته، فكل مخلوق قد توكل على مخلوق مثله، فرجعت إلى قوله تعالى:{ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره}[الطلاق:3]فتوكلت (عليه)(5)، قال: أحسنت يا حاتم، قد جمعت في هذه المسائل علم التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان العظيم.
وهذا شقيق وحاتم من التابعين، روى: أبو بكر الصديق [تولى الله مكافئته](1) عنه: صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يا أبا بكر، قل لأمتي يكونوا على أثري، وأثر أصحابي، فإني لم أبعث تاجرا ولا حراثا، ولكن بعثت داعيا وهاديا ورحمة، وما أمرني ربي بجمع الدينار والدرهم، ولكن قال:{فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}[الحجر: 98-99])).
Страница 29