بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
[وصلَّى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم]
أخبرنا الشَّيخ الإمام الأوحد، رئيس الدِّين تاج الإسلام أبو بكر عبد الرزَّاق بن على ابن الحسين الكرمانىُّ، متَّعنا الله ببقائه، قال: أخبرنى أبو علىّ محمد بن سعيد بن إبراهيم بن نبهان الكاتب "ببغداد" في شهر ربيع الأول سنة تسع وخمسمائة، قال: أخبرنا أبو على الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، قال: أخبرنا أبو محّمد دعلج ابن أحمد السِّجستانىُّ، قال أخبرنا أبو الحسن على بن عبد العزيز البغوىُّ، قال:
1 / 115
١ - قال أبو عبيد [القاسم بن سلام ﵀] في حديث النبيِّ ﷺ:
"زويت لى الأرض، فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمَّتى ما زوى لى منها" [قال] حدثناه إسماعيل بن إبراهيم، ثنا أيُّوب، عن أبى قلابة، أنَّ رسول الله ﷺ قال ذلك في حديث فيه طول.
قال أبو عبيد: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى التيمى -من تيم قريش مولًى لهم -
1 / 116
يقول: زويت: جمعت، ويقال: انزوى القوم بعضهم إلى بعض: إذا تدانوا، وتضاُّموا، وانزوت الجلدة في النار: إذا انقبضت، واجتمعت.
قال أبو عبيد: ومنه الحديث الآخر: "إنَّ المسجد لينزوى من النُّخامة كما تنزوى الجلدة في النَّار" إذا انقبضت واجتمعت
قال أبو عبيد: ولا يكاد يكون الانزواء إلا بانحراف مع تقبُّض، قال "الأعشى":
يزيد يغضُّ الطرف عنى كأنَّه ... زوى بين عينيه علَّى المحاجم
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ... ولا تلقنى إلاَّ وأنفك راغم
1 / 117
٢ - [و] قال أبو عبيد في حديث النَّبيِّ ﷺ.
"إنَّ منبرى هذا على ترعة من ترع الجنَّة".
[قال] حدَّثناه إسماعيل بن جعفر [المدنىُّ]، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبى سلمة بن عبد الرَّحمن، [عن أبى هريرة]، عن النَّبيِّ ﷺ، أنَّه قال ذلك.
قال أبو عبيدة: التُّرعة: الرَّوضة تكون على المكان المرتفع خاصًة، فإذا كانت في المكان المطمئنِّ، فهي روضة.
[و] قال أبو زياد الكلابىَّ: أحسن ما تكون الرَّوضة على المكان الذي فيه غلظ وارتفاع ألم تسمع قول "الأعشى":
1 / 118
ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل
قال [أبو زياد]: والحزن: ما بين "زبالة" إلى ما فوق ذلك مصعِّدًا في بلاد "نجد" وفيه ارتفاع وغلظ.
[و] قال أبو عمرو الشَّيبانىُّ: التُّرعة: الدَّرجة.
قال أبو عبيد: وقال غيرهم: الترعة: الباب، كأنَّه قال: منبرى هذا على باب من أبواب الجنَّة.
[قال]: حدَّثنا حسان بن عبد الله، [قال حدَّ] ثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن القارى، عن أبى حازم، عن سهل بن سعد [الساعدىِّ]، أنَّ رسول الله ﷺ قال: "إنَّ منبرى هذا على ترعة من [٢/ب] ترع الجنَّة".
قال: فقال سهل بن سعد: أتدرون ما التُّرعة؟ هي الباب من أبواب الجنَّة.
1 / 119
قال أبو عبيد: وهو الوجه عندنا.
[قال]: وحدَّثنى علُّى بن معبد، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، عن بعض [بنى] أبى المعلَّى -رجل من الأنصار- عن أبيه، عن جدِّه، أنَّ رسول الله ﷺ قال:
"إنَّ قدمىَّ على ترعة من ترع الحوض"
[أى درجة من درج الحوض]
٣ - [و] قال أبو عبيد فى حديث النَّبيِّ ﷺ-أنَّه قال:
1 / 120
"خير النَّاس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، كلَّما سمع هيعًة طار إليها" ويروى: "من خير معاش رجل ممسك بعنان فرسه [فى سبيل الله] "
[قال]: حدَّثناه عبد الله بن جعفر، عن أبى حازم، عن بهجة بن عبد الله بن بدر، [عن أبى هريرة]، عن النَّبىِّ ﷺ.
قال أبو عبيدة: الهيعة [٦]: الصَّوت الَّذى تفزع منه، وتخافه من عدو.
[وقال]: وأصل هذا من الجزع.
يقال: رجل هاع لاع، وهائع لائع: إذا كان جبانًا ضعيفًا.
وقد هاع يهيع هيوعًا وهيعانًا.
1 / 121
قال أبو عبيد: وقال الطرمَّاح بن حكيم [الطائيُّ]:
أنا ابن حماة المجد من آل مالك ... إذا جعلت خور الرِّجال تهيع
أى تجبن، والخور: الضِّعاف، والواحد خوَّار.
[قال أبو عبيد]: وفي الحديث:
"أو رجل فى شعفة فى غنيمته حتَّى يأتيه الموت"
قوله: شعفة: يعنى رأس الجبل.
٤ - [و] قال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ ﷺ:
"ليس فى الجبهة، ولا فى النَّخَّة، ولا فى الكسعة صدقة".
قال: حدَّثناه ابن أبى مريم، عن حَّماد بن زيد، عن كثير بن زياد الخراسانى
1 / 122
يرفعه.
وعن غير حمَّاد [بن زيد]، عن جوبير، عن الضَّحَّاك يرفعه.
قال أبو عبيدة: الجبهة: الخيل، والنَّخَّة: الرَّقيق، والكسعة: الحمير.
قال الكسائىُّ وغيره فى الجبهة والكسعة مثله.
وقال الكسائىِّ: هى النَّخَّة -برفع النون- وفسَّرها هو وغيره فى مجلسه: البقر العوامل.
[و] قال الكسائىُّ: [و] هذا كلام أهل تلك الناحية كأنَّه يعنى أهل الحجاز وما وراءها إلى اليمن.
وقال الفرَّاء: النَّخَّة: أن يأخذ المصَّدِّق دينارًا بعد فراغه من الصَّدقة.
قال وأنشدنا:
1 / 123
عمِّى الَّذى منع الدِّينار ضاحيًة ... دينار نخَّة كلب وهو مشهود
قال أبو عبيد: وحدَّثنا نعيم بن حَّماد، عن ابن الدَّراودىِّ المدينىِّ، عن أبى حرزة القاصِّ يعقوب بن مجاهد، عن سارية [٧] الخلجىِّ، عن النَّبىِّ ﷺ قال:
"أخرجوا صدقاتكم، فإن الله [﷿] قد أراحكم من الجبهة، والسَّجَّة، والبجَّة"
وفسَّرها: أنَّها كانت آلهة يعبدونها فى الجاهليَّة.
1 / 124
وهذا خلاف ما [جاء] فى الحديث الأول، والتفسير فى الحديث، والله أعلم أيهما المحفوظ من ذلك.
٥ - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ ﷺ أنَّ رجلًا أتاه، فقال: يا رسول الله! "إنِّى أبدع بى فاحملنى".
قال: حدَّثناه أبو اليقظان عمَّار بن محمَّد، عن الأعمش، عن أبى عمرو الشَّيبانىِّ، عن أبى مسعود الأنصارىِّ، عن النَّبىِّ ﷺ أنَّ رجلًا أتاه، فقال: "يا رسول الله! إنىِّ أبدع بى، فاحملنى".
1 / 125
قال أبو عبيدة: يقال للرَّجل إذا كلَّت ركابه، أو عطيت، وبقى منقطعًا به: قد أبدع به.
وقال الكسائىُّ مثله، وزاد فيه: ويقال: أبدعت الرِّكاب: إذا كلَّت، وعطبت.
وقال بعض الأعراب: لا يكون الإبداع إلاَّ بظلع.
يقال: أبدعت به راحلته: إذا ظلعت.
[قال أبو عبيد]: وهذا ليس باختلاف، وبعضه شبيه ببعض.
٦ - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ ﷺ أنَّ "قريشًا"
1 / 126
كانوا يقولون: "إنَّ محمَّدًا صنبور"
قال: حدَّثناه محمَّد بن أبى عدىٍّ -لا أعلمه إلاَّ عن داود بن أبى هند- الشَّكُّ من أبى عبيد- عن الشَّعبىِّ، عن النَّبىِّ ﷺ
قال أبو عبيدة: الصُّنبور: النَّخلة تخرج من أصل النَّخلة الأخرى لم تغرس.
وقال الأصمعىُّ: الصُّنبور: النُّخلة تبقى منفردة، ويدقُّ أسفلها، قال: ولقى رجل رجلًا من العرب، فسأله عن نخله، فقال: صنبر أسفله [٨] وعشَّش أعلاه: يعنى دق أسفله، وقلَّ سعفه، ويبس.
قال أبو عبيد: فشبَّهوه بها، يقولون: إنَّه فرد ليس له ولد ولا أخ، فإذا مات انقطع ذكره.
1 / 127
قال [أبو عبيد]: وقول الأصمعىِّ فى الصُّنبور أعجب إلىِّ من قول أبي عبيدة لأنَّ النَّبىِّ ﷺ لم يكن أحد من أعدائه من مشركى العرب، ولا غيرهم يطعن عليه فى نسبه، ولا اختلفوا [فيه] أنه أوسطهم نسبًا [ﷺ].
[قال أبو عبيد: و] قال أوس بن حجر، يعيب قومًا:
مخلَّفون ويقضى الناس أمرهم ... غسُّ الأمانة صنبور فصنبور
1 / 128
[قال أبو عبيد: فى غسُّو ثلاثة أوجه: غسو، وغش، وغشى، ويروى غش الملامة قال: ويروى: أهل الملامة أيضا]
وقال أبو عبيد: والصُّنبور أيضًا فى غير هذا: القصبة الَّتى تكون فى الأداوة من حديد أو رصاص يشرب منها [بها].
٧ - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ ﷺ: "أنَّه سأل رجلًا أراد الجهاد معه [فقال له]: هل فى أهلك من كاهل؟ -ويقال: من كاهل- فقال: نعم.
قال: حدَّثناه إسماعيل بن إبراهيم، عن خالد الحذَّاء، عن أبى قلابة، عن
1 / 129
مسلم بن يسار، عن النَّبىِّ ﷺ
قال أبو عبيدة: هو مأخوذ من الكهل، يقول: هل فيهم من أسنَّ، وصار كهلًا؟
قال أبو عبيدة: يقال منه: رجل كهل، وامرأة كهلة، وأنشدنا [العذافر]:
* ولا أعود بعدها كريَّا *
* أمارس الكهلة والصَّبيَّا *
٨ - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ ﷺ أنَّه قال:
1 / 130
"ما يحملكم على أن تتايعوا فى الكذب كما يتتايع الفراش فى النار" قال: حدَّثناه ابن أبى مريم، عن داود [٩] العطَّار، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، عن النَّبىِّ ﷺ أنه قال:
"ما يحملكم على أن تتايعوا فى الكذب كما يتتايع الفراش فى النَّار".
قال أبو عبيدة: التَّتايع: التَّهافت فى الشَّيء، والمتابعة عليه.
يقال للقوم: قد تتابعوا فى الشَّئ: إذا تهافتوا فيه، وأسرعوا إليه.)
قال أبو عبيد: ومنه قول الحسن بن علىِّ [-رضى الله عنهما-]: "إنَّ عليَّا أراد أمرًا، فتتابعت عليه الأمور، فلم يجد منزعًا": يعنى فى أمر الجمل.
1 / 131
ومنه الحديث المرفوع فى الرَّجل يوجد مع المرأة.
قال: حدَّثنا هشيم بن بشير، عن يونس بن عبيد، عن الحسن قال: لمَّا نزلت [هذه الآية]: ﴿والَّذين يرمون المحصنات، ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدًة، ولا تقبلوا لهم شهادًة أبدًا﴾ قال سعد بن عبادة: يا رسول الله! "أرأيت إن رأى رجل مع امرأته رجلًا، فقتله، أتقتلونه، وإن أخبر بما رأى جلد ثمانين؟ أفلا يضربه بالسَّيف؟ فقال رسول الله ﷺ:
"كفى بالسَّيف شا".
قال أراد أن يقول: شاهدًا، ثمَّ أمسك، وقال:
"لولا أن يتتايع فيه الغيران والسَّكران".
1 / 132
قال أبو عبيد: كره أن يجعل السيف شاهدًا، فيحتجَّ به الغيران والسَّكران، فيقتلوا، فأمسك عن ذلك.
قال أبو عبيد: ويقال فى التَّتابع: إنَّه اللَّجاجة، وهو يرجع [١٠] إلى هذا المعنى. وقال أبو عبيد: ولم نسمع التتابع فى الخير إنَّما سمعناه فى الشَّرِّ.
٩ - وقال "أبو عبيد" فى حديث النَّبىِّ ﷺ: "من أزلَّت إليه نعمة فليشكرها".
قال: حدَّثناه يحيى بن سعيد، عن السَّائب بن عمر، عن يحيى بن عبد الله بن صيفى، عن النَّبىِّ ﷺ أنَّه قال ذلك.
قال أبو عبيدة: قوله: أزلَّت إليه: يقول: أسديت إليه، واصطنعت عنده.
يقال منه: أزللت إلى فلان نعمًة فأنا أزلها إزلالًا.
1 / 133
وقال أبو زيد الأنصارى مثله، وأنشدنا أبو عبيدة لكثيِّر [عزَّة]
وإنىِّ، وإن صدَّت لمثن وصادق ... عليها بما كانت إلينا أزلَّت
قال أبو عبيد: و[يروى]: لدينا [أزلَّت].
قال: وقد رواه بعضهم: "من أنزلت إليه نعمة" وليس هذا بمحفوظ ولاله وجه فى الكلام.
١٠ - وقال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ ﷺ:
"أنه مر بقوم يربعون حجرًا"
قال: حدَّثنيه محمد بن كثير، عن حمَّاد بن سلمة، عن ثابت البنانىِّ، عن عبد الرَّحمن بن عجلان رفعه:
"أنَّه مرِّ بقوم يربعون حجرًا".
1 / 134