يا من لا إله إلا هو، من سواك لهاتين النملتين في جنح هذا الليل الذي يشبه نقطة من غضبك؟ لقد أخرجتهما في هذا الضياع مخرج أصغر موعظة للعين تنبه أكبر حقيقة في القلب، وعرضت منها للإنسانية صورة لو وفق مخلوق عبقري فرسمها لجذب إليها كل أحزان النفس!
صورة الحب يمشي متساندا إلى صدر الرحمة في طريق المصادفة المجهولة من أوله إلى آخره، وعليهما ذل اليتم من الأهل، ومسكنة الضياع بين الناس، وظلام الطبيعة وكآبتها!
رأيت الطفلة وقد تنبهت فيها لأخيها الصغير غريزة أم كاملة، فهي تشد على يده بيديها معا كأنها مذ علمت أنها ضائعة، تحاول أن يطمئن أخوها إلى أنه معها، ولن يضيع، وإنه معها!
10
فيا لرحمة الله!
وقد أسندت منكبه على صدرها وهي تمشي، فلا أدري إن كان ذلك لتحمل عنه بعض تعبه فلا يتساقط، أو ليكون بها أكبر من جسمه الضئيل فلا يخاف، أو لأنها حين لم تستطع أن تفهمه ما في قلبها بلغة اللسان أفاضته على جسمه بلغة اللمس، أو لا هذا ولا ذاك، إنما هي تستمد من رجولته الصغيرة حماية لأنوثتها بوحي الطبيعة التي رسخت فيها!
أما الطفل فمستذل خاشع، لو ترجمت نظراته لكانت هذه عبارتها: اللهم إن هذا العمر يوم بعد يوم، فأنقذنا من بلاء يومنا!
ولما وقفا بإزائنا كان هذا الصغير يقلب في وجوه الناس نظرات يتيمة، ترتد على قلبه آلاما لا رحمة فيها؛ إذ يشهد وجوها كثيرة ليس لها ذلك الشكل الإنساني المحبوب الذي لا يعرفه الطفل من كل خلق الله إلا في اثنين: أمه، وأبيه!
وما أسرع ما تناهض الناس، وأطافوا بهما، وما أسرع ما لاذ المسكين بأخته، واستمسك بها؛ كأن وسائل الرحمة تخيف كما تخيف أسلحة «الجراح»،
11
Неизвестная страница