وهذا فلان المنافق، لا يرى في الحب أكبر من باء تنافق للحاء، فهي تنزل عند تقديمها، وتتأخر للمتأخر،
1
كما ينحط الرجل العاشق عن رتبته، ويقدم على نفسه المرأة، وعنده أن هذا برهان طبيعي على أن الحب من غير نفاق هو حب من غير حب؛ فالنفاق هو الأصل، وحسبك به!
أعرف هذا الرجل كالحائط المبهم:
2
من أين جئته استغلق عليك، ورأيته ردما واحدا، فلا منفذ لك فيه إلا أن تكون قنبلة آدمية في القوة والشر؛ لأنه رجل المادة لا غيرها، وهو كالمرأة الغادرة: حبها الرجل كلمة على طرف لسانها، ولسانها عمل في طريق منفعته، وهو كاللص: حبه المال حاسة في يده، ويده على ما يملك الناس!
لونه في الحوادث ألوان، ودينه في المنافع أديان، ونفسه من الناس حشرة في إنسان، وإذا عرفته نظرت إليه كما ينظر المهموم لما جر عليه الهم، وإذا جهلته كان كالدواء المغشوش ذهب منه صواب العلاج، ووقع فيه خطأ السم!
والمنافق هو سياسي الحب والصداقة: يضع المنفعة بن عينيه، ثم تتوزع على جوارحه كل أساليب الكلام والحركة والعاطفة، لا مخرج لك من عقدته إلا أن يعقد هو بأسلوب، وتحل أنت بأسلوب آخر؛ وترى صداقته تنتهي أكثر ما ينتهي إلى مثل المقاطعة الحربية بين فراعنة السياسة، وشياطينها: يرمي الداهية منهم داهية آخر «بإنذار نهائي» حاسم، يحمل الزلازل في كلماته، وينصب للحساب ميزان الهوان والهلاك، ثم يقول له في آخره: «وإني أغتنم هذه الفرصة لأؤكد لكم احترامي الفائق»!
ولن تجد شرا من هذا الأسلوب ينتحله رجل إلا الأسلوب عينه تنتحله امرأة! ...
والله الذي لا إله إلا هو، ما رأيت كالمنافق رجلا، إلا ذلك الواقف يدير وجهه بين مرائي عن يمينه وشماله، ومن ورائه، وبين يديه؛ فله في كل واحدة وجه، ويتعدد الرجل وهو شيء واحد.
Неизвестная страница