ولا تطوح في بحر من أبحارها؛ إلا وأنت واجد من مثل ذلك معاني في نفوس النساء؛ كأن هذه المرأة تمثال مصغر خلق بمعانيه في مقابلة الأرض بمعانيها؛ فهي في روح الرجل إما الخصب أو الجدب، وهي له في الحياة إما الملح أو العذب، وهي منه العامر والخراب، ولكن في القلب! •••
كان صاحبنا فتى تلمع عليه غرة الشباب، وقد رق حتى كاد يخالط حد الأنوثة، ولان حتى قارب أن يفوت معنى الرجولة، وظرف حتى أوشك أن يكون إنسانا تتفتح في روحه معاني الزهر، ولكنك إذا كنت رجلا صحيحا أمررته على عينيك كما تمر كتابا لا تريد أن تقرأه!
فقد تمدن في أوروبا، ولبث عن قومه ما شاء الله،
5
ثم رجع إليهم كأن أمه لم تلده، وكأن أباه جده الأعلى ... فبينه وبين أبيه هذا بضعة أجداد، منهم المسيو أو المستر أو السنيور أو (الهر ...)، وأصبح يحس أن كل شيء في هذا الاجتماع الشرقي مسلط على نفسه الرقيقة النحيلة بالغلظة والجفاء، والعنت والأذى، كأنه (رحمه الله ...) ابن الضباب، فلما برز إلى هذه الشمس، وضحا في أشعتها الحامية جعل يذوب ويتبخر!
وكان من هؤلاء الفتيان الذين إذا تعلموا في أوروبا نفوا جهلهم بالعلم، ثم نفوا علمهم بجهل آخر ... ثم جاءوا كحرفي النفي: ما، ولا ... فليس منهم إلا التكذيب، والإنكار، والشك. وتراهم أظرف وأجمل وأزهى من فراشة الربيع، لا يريدون الحياة إلا أزهارا، ولا يطيقونها إلا ربيعا، وعلى أزهارهم وربيعهم، فليس لنا منهم إلا نقط من الألوان، وأصوات من الطين ... وأجسام ليس فيها رجالها! •••
سألت هذا الفتى مرة: أنت مصري؟
قال: ووطني صميم!
قلت: أفترى أنك تصلح في علمك وتهذيبك أن تكون مثالا يتأسى بك نشء بلادك؟
قال: إني لأرجو ذلك.
Неизвестная страница