فهذا الحب ليس حقيقة واحدة عجيبة، بل هو أربع حقائق داخل بعضها بعضا، فلا يتميز لون منها من لون منها. وما حقيقة الحب الصحيح إلا امتزاج نفسين بكل ما فيهما من الحقائق، حتى قال بعضهم: لا يصلح الحب بين اثنين إلا إذا أمكن لأحدهما أن يقول للآخر: يا أنا؛
3
ومن هذه الناحية كان البغض بين الحبيبين - حين يقع - أعنف ما في الخصومة؛ إذ هو تقاتل روحين على تحليل أجزائهما الممتزجة، وأكبر خصيمين في عالم النفس، متحابان تباغضا!
وللحب العجيب جنس من النساء عجيب، خلقن جواسيس على القلوب يدخلن فيها، ويخرجن منها، وقلما تجسمت الواحدة منهن إلا لتفضح للدنيا أسرار روح عظيمة؛ وهذا الجنس تهيئه الطبيعة تهيئة المادة السحرية، وتولد المرأة منه مرتين؛ فإذا هي انحدرت إلى الدنيا طفلة جعلت تأخذ في دمها الجذاب من شعاع الشمس يتوهج، ومن القمر يتندى،
4
وذهبت تنمو في ظاهرها نموا، وفي باطنها نموا غيره، حتى إذا بلغت مبلغها، وانبعثت ملء شبابها، آن لها أن تولد الثانية، فولدت في قلب رجل!
والعجيب أنها في الولادة الأولى يكون أول وجودها هو أول وجودها؛ أما في الثانية فذلك أول فنائها؛ لأن المرأة متى حلت من قلب الرجل محلا، جعل يفنيها معنى في كل معنى حتى تفرغ، فلا يبقى منها إلا ذكرى زمن مضى ...
وكل امرأة من هذا الجنس هي معجزة عقلية ما دامت مخبوءة في الشعاع السماوي من جمالها، وما دام هذا الشعاع يفعل فعله الذي عرفه الناس أوضح ما عرفوه في أديانهم، وعقائدهم، وفيما أنزلوه منزلة الأديان والعقائد.
وآية مصداق هذا الإعجاز
5
Неизвестная страница