وكلها تبرز مدى مساهمته في علم الرجال وباعه الكبير فيه، من ذلك أن أبا إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني سأله قائلا: يا أبا عبد الرحمن الحديث الذي جاء أن من البر بعد البر أن تُصَلِّي لأبويك وتصوم لهما مع صومك؟ فقال عبد الله: يا أبا إسحاق عَمَّن هذا؟
قال: هذا من حديث شهاب بن خراش، فقال ثقة عمن؟، قال أبو إسحاق: عن الحجاج بن دينار، قال: ثقة عمن؟، قال: قال رسول الله ﷺ.
قال ابن المبارك: يا أبا إسحاق، إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي ﷺ مفاوزَ تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصَّدَقَة اختلاف (١) .
وأخرج مسلم أيضا بسنده إلى علي بن شقيق قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يَسُبُّ السلف (٢) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن نعيم بن حماد قال: قلت لابن المبارك: لأي شيء تركوا عمرو بن عبيد؟ قال: إن عمرا كان يدعو، يعني إلى القدر (٣) .
ولقد أشاد العلماء بمكانة ابن المبارك وصولته على الضعفاء والوضاعين، فهذا شعبة يقول فيه -وهو شيخه-: «ما قدم علينا من ناحيته مثله» (٤)، وهذا أبو إسحاق الفزاري يقول: «ابن المبارك إمام المسلمين»، ويجلس بين يديه
(١) مقدمة صحيح مسلم ١/١٦ - وتقدمة المعرفة ص: ٢٧٤.
(٢) مقدمة مسلم ١/١٦.
(٣) تقدمة المعرفة ١٧٣.
(٤) المصدر نفسه ص: ٢٦٥.