عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ورآها متخلفة على رأس رسول الله ﷺ، فقال بحيرا: يا معشر قريش لا يتخلفنَّ أحد منكم عن طعامي. قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو اصغر القوم سنًا في رحالهم.
فقال: أدعوه فليحضر طعامي فما أقبح أن يتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم. فقال القوم: هو والله أوسطنا نسبا وهو أبن أخي هذا الرجل، يعنون أبا طالب، وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب: والله إن كان بنا للؤمٌ أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا. ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظ لحظا شديدًا، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزّى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال رسول الله. ﷺ: "لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئًا بغضهما". قال فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما بدا لك.
فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول الله ﷺ يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده، فقبّل موضع الخاتم وقالت قريش: إن لمحمدٍ عند هذا الراهب لقدرًا، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني. قال: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًا. قال: فابن أخي. قال فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبًا. قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده وأحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه بغيًا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا واعلم أني قد أديت إليك النصيحة.
فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعًا، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله. ﷺ وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم. قال: فما لكم إليه سبيل. فصدقوه وتركوه.
ورجع به أبو طالب فما خرج به سفرًا بعد ذلك خوفًا عليه١،
_________
١ حسن: أخرجه الترمذي في كتاب المناقب حديث ٣٦٢٠. باب ٣. ما جاء في بدء نبوة النبي ﷺ وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قلت: هو بذلك قد حسن هذا الحديث. والحاكم ٢/٦٧٢. رقم ٤٢٢٩. وقال: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
1 / 29