وله إلى يحيى بن خالد بن برمك: أما بعد فإني كتبت إليك كتبًا لم أرَ لشيء منها جوابًا، ولست أمتع الله بك أتكبر عن مواترة الكتب إليك ولا أستنكف على تركك الكتاب إلي لأن مثلك لا يكتب إلى ضعيف مثلي إلا بعون الله وتأييده، ولا يلقى الحكمة كتَّابه إلا بتوفيق الله ﷿ وإحسانه ولعلك أمتع الله بك لم يوافق نزول ذلك من ربك فإنه ﵎ يقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير. والسلام.
وله أيضًا إلى علي بن سليمان - وكان قدومه إلى اليمن واليًا لها عن المهدي سنة اثنتين وستين ومئة وأقام بها سنة ونصفًا -: أما بعد فإنه لما اختلط عليَّ من عقلي، واشتبه علي من رأيي وشككت فيه من أمري، فلست أشك في أن الله ﵎ إذا أراد أن يقدر عليَّ رزقي وأن يبتليني بالشدة على عيالي أطلعك على ذات طمعي، ودلّك على وجه طلبي، وجعلك جليسًا لأهل حاجتي، ثم ابتلاني بطلبها إليك، فإذا ذكرتها أسفرت وأبشرت، ووعدت من نفسك وعدًا حسنًا، ففرقت نفقتي لإسفارك، ووسعت على عيالي لإبشارك، وتسلَّفت من إخواني لوعدك، فإذا أتيتك منتجزًا عبست وبسرت، ثم أدبرت واستكبرت، وقد تصرمت النفقة وانقطع لرجاء وأيست من الطمع كما يئس الكفار من أصحاب القبور، وأعظم ذلك عندي كربا وأشده جهدًا أن غيرك يعرض عليَّ الحاجة التي طلبتها إليك، فأكره أن تكون إلا بسببك، وأن تجري إلا على يدك، ولعمري ما كان ذلك إلا لسابق العلم في شقوتي بك، فأسأل الله ﷿ الذي جعل جاهك من بليتي وحسن منزلتك من مصابي، وطول حياتك فتنة لعيالي أن ينقلك إلى جنته قبل أن يرتد إليك طرفك والسلام.
ومن بشر إلى آخر: أما بعد، فإني رأيتك في أمر دينك متصنعًا مخذولًا وفي أمر دنياك فاجرًا مثبورًا، وفيك خصال لا تجتمع في مسلم إلا بسوء سريرة أو مقارفة كبيرة أو إضمار عظيمة، يع بها أولياء الله
1 / 64