على العلماء وتروح عنهم، وتحدث عن الله وعن ملائكته ورسله، وقد أصبحت تحدث عن معن وعن عمالَّه، وعن أبي مسلم وعن أصحابه، فبئس للظالمين بدلًا، فمن خلَّفت على أهلك أو على من تتكل في هول سفرك أو بمن تثق في حال غربتك؟ أبا الله أم عليه؟ وكيف ولست أخشى عليك إلا من قبله لأنه قد اعذر إليك وأنذر، فعصيت أمره، وأطعت أعداءه، وخرجت مغاضبا تظن أن لن يقدر عليك، فاتق على نفسك الزلل، وأنزل عن دابتك في كل جبل، فإذا استويت أنت ومن معك على ظهورها فلا تقل: سبحان الذي سخر لنا هذا لأن الله ﵎ قد كره أن يحمد على ما نهى عنه ولكن قل: ربنَّا من قدم لنا هذا فزده عذابًا ضعفا في النار والسلام.
ومنه إلى الحجبي: أما بعد فإن الله وله الحمد قد كان عرّضني وجوها كثيرة وخيرني في مكاسب حلال، وكنت بتوفيق الله ﷿ وإحسانه قد اخترت منها ناحية الأمير حفظه الله تعالى ورضيت به من كل مطلب، واقتصرت على رجائه من كل مكسب، فأثابه الله ﷿ بذلك فتحًا قريبًا، ومغانم كثيرة عجّلها وكان الله عزيزًا حكيمًا، وقد عرف الأمير حفظه الله تعالى طول مودتي له، وقديم حرمتي، وأني ممن أنفق من قبل الفتح وقاتل، ثم إني لم أتعرب بعد الهجرة، ولم أنافق بعد النصرة، ولم أكن كحاطب حين ألقى بالمودّة، ولا كتميم يوم نادوا من وراء الحجرات، بل أقمت على مكانتي، واصطبرت على عسرتي، حتى جاء الفتح من عند الله، وطلع الأمير حفظه الله، فلما ظهر وتمكن، ورجونا الغنى معه حين أيسر واثخن، والعز تمامًا على الذي أحسن، قرّب الأحزاب، وأدنى المخلَّفين من الأعراب، وآثر بالفيء من لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وأصبحت أياديه عند المؤلفة قلوبهم، ومن كان يلمزه في الصدقات منهم، وصنائعه عند المعذّرين من الأعراب الذين جاؤوا من بعدهم، ظاهرة في الآفاق وفي أنفسهم، وأصبح نقباء العقبة وفقراء الهجرة ومساكين الصُّفة تفيض أعينهم حزنًا ألا يجدوا
1 / 61