139

Сиддик Абу Бакр

الصديق أبو بكر

Жанры

وكان عمر بن الخطاب أوجز في القول، وكأنما عقد الرزء لسانه، قال حين دخل على أبي بكر بعد موته: «يا خليفة رسول الله! لقد كلفت القوم بعدك تعبا ووليتهم نصبا، فهيهات من شق غبارك، فكيف اللحاق بك.»

وتداولت أنباء الوفاة حواضر العرب وبواديها، فهزت كل نفس وأسبلت الدمع من كل عين؛ واضطرب أهل مكة لسماعها، وبلغ اضطرابهم سمع أبي قحافة فسأل: ما هذا؟ قيل: توفي ابنك. قال: رزء جليل! من قام بالأمر بعده؟ قالوا: عمر. فقال: صاحبه. ولم يزد، وأرادوا أن يردوا عليه حقه مما ترك أبو بكر فأبى وقال: بنوه أحق به، وما كان لهذا الشيخ الفاني بعد هذا الرزء الجسيم إلا أن يلحق ابنه في جوار الله. فتوفي بعد ستة أشهر من وفاته.

أفتدل هذه الكلمات الوجيزة التي نطق بها أبو قحافة على أنه كان أجمل العرب صبرا لقضاء الله في خليفة رسول الله؟! أم إن جزعه لوفاة ابنه هو الذي أسكته، كما أنه هو الذي عجل به إلى لقاء ربه؟! ما نحسب أبا يتجلد للمصاب في ابنه إلا تجملا، وإن تقدمت به السن وأدركه الهرم، لذلك كان حزن أبي قحافة غير حزن سائر العرب، لقد حزن العرب إشفاقا مما يخبئه الغيب، بعد أن غيبوا في التراب رجلا كان البر بهم، والعطف عليهم، وإنكار الذات في سبيلهم، وكان إلى ذلك موفقا كل التوفيق في ولاية أمرهم وسياسة دولتهم، أما أبو قحافة فحزن لأن أعز أجزاء نفسه عليه ذهب، فانهد ركنه وتداعت حياته.

وفدح الخطب أم المؤمنين عائشة، فأقامت النوح على أبيها وشاركتها أخته أم فروة وزوجتاه أسماء بنت عميس وحبيبة بنة خارجة ومن اجتمعن إليهن من نساء المدينة، فلما بلغ عمر ما يصنعن جاء إلى بيت عائشة ونهاهن عن النوح، فلم ينتهين، فقال لهشام بن الوليد: ادخل عليهن فأخرج إلي أم فروة بنة أبي قحافة أخت أبي بكر، وسمعت عائشة قول عمر فقالت لهشام: إني أحرج عليك بيتي. قال عمر: ادخل فقد أذنت لك. ودخل هشام فأخرج أم فروة إلى عمر، فعلاها بالدرة فضربها ضربات وهو يقول: تردن أن يعذب أبو بكر ببكائكن! إن رسول الله

صلى الله عليه وسلم

قال: «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه.» وتفرق النوائح حين رأين ما أصاب أم فروة، ولم تستطع عائشة أن تحول بين عمر وما أراد.

ولعل عمر قد أزعجه هذا النوح لشدة جزعه على أبي بكر، فليس أوجع لنفوسنا من نوح النسوة على ميت نحبه ويحز الألم في قلوبنا لفراقه، وحق لعمر ولكل مسلم أن يشتد يومئذ جزعه، بل إننا اليوم لنشاركهم في حزنهم وفيما كان من مخاوفهم، مع علمنا بما أفاء الله على المسلمين في عهد عمر من نصر، وما أراد من فضله أن يتوج به سياسة أبي بكر من نجاح وفوز، فلم يمر الإسلام منذ هاجر النبي إلى المدينة بمثل ما مر به في عهد الصديق من محنة، ولم تسم نفوس المسلمين فوق البأساء والضراء وحين البأس سموها بفضل إيمانه وعزمه، لقد امتحن الله المؤمنين في خلافته فأحسنوا البلاء، واجتاز الدين الناشئ بفضل إيمان الخليفة وعزمه مناطق الأعراف، صلبا قوي الحياة، كفيلا بأن يظل العالم بلواء التقدم والحرية، وأن يرفعه إلى حضارة سامية هي وحدها الجديرة بالإنسانية، وقد كانت روح أبي بكر من مصادر هذه القوة، أفكان الإسلام لا يزال في حاجة إلى فيضها؟ أم إنه قد تخطى خلال هاتين السنتين وثلاثة الأشهر مناطق الخطر، فآن له أن يمتد في طمأنينة وأمن، وأن يمد إلى الإنسانية المضطربة يوم ذاك يد النجاة ليقر بينها الإخاء والسلام؟!

لعلنا لا ندري ماذا كان يحدث لو لم يستخلف أبو بكر عمر، ولو لم يخرج على ما أخذ به نفسه، ولم يصنع ما لم يصنعه رسول الله، فقد كان هذا العمل الأخير في حياة الصديق حلقة قوية في السلسلة التي رفعت الإسلام مكانا عليا، والتي أراد الله أن يتم بها كلمته وينصر دينه، ترى لو أن أبا بكر اختار عثمان أو غير عثمان، أفكان الإسلام ينتشر ما انتشر في عهد عمر، ثم يزداد في عهد خليفته انتشاره؟! أم إن اختيار عمر كان توفيقا من الله للصديق، فكان الفاروق بطل الموقف ورجل الساعة؟! لا غناء اليوم في أن نعرض لهذا الأمر بحكم، لكن الذي لا مرية فيه أن أبا بكر وعمر كانا يتفقان في جوهر النفس على تباين مظاهرهما لينا وشدة، صفى الإيمان بالله نفسيهما فتنزهتا وطهرتا وسمتا فوق خبائث الدنيا، وتجردتا لله، فكانتا العدل والرحمة والإيثار والحرص على أن ينتصر الحق وتعلو كلمة الله، بذلك كان استخلاف عمر عملا صالحا أراد الله به أن يعز دينه، وأن يقر به في الأرض كلمة الحق، وأن يعلي به منار البر والتقوى.

رحم الله أبا بكر ورضي عنه وألحقه بالصالحين.

خاتمة

Неизвестная страница