صلى الله عليه وسلم
نيف وسبعون سورة، ثم تعلم الباقي بعد وفاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول الله
صلى الله عليه وسلم
حي أولى بجمع المصحف وأحق بالإيثار والاختيار.»
ولعل أبا بكر قد اختار زيدا وآثره على غيره من أصحاب رسول الله لأنه شاب، فهو أقدر على العمل منهم، وهو لشبابه أقل تعصبا لرأيه واعتزازا بعلمه، وذلك يدعوه إلى الاستماع لكبار الصحابة من القراء والحفاظ، والتدقيق في الجمع دون إيثار لما حفظه هو، وإن كان المتواتر أنه حضر العرضة الأخيرة للقرآن حين عرضه رسول الله على جبريل للمرة الثانية في السنة التي كانت فيها وفاته.
شعر زيد بجسامة التبعة التي ألقاها الخليفة على عاتقه وقدرها قدرها؛ وذلك قوله: «فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.» وكيف لا يشعر بجسامة التبعة وهو يعلم أن أبا بكر يحفظ القرآن، وعمر يحفظه، وعلي يحفظه، وعثمان يحفظه، وكبار الصحابة يحفظونه أو يحفظون منه أجزاء كثيرة، بل إن أربعة قد تلقوا القرآن عن رسول الله وكتبوه مرتب الآيات في السور، وكتب غيرهم، ومنهم عبد الله بن مسعود، مصاحف بعضها كامل وبعضها غير كامل، وهؤلاء جميعا رقباء عليه يحاسبونه أدق الحساب.
والرقابة الكبرى! رقابة صاحب القرآن من أوحاه إلى رسوله، أعظم من كل رقابة، وهي التي جعلت زيدا يشعر بأن نقل جبل من الجبال أيسر مما كلفه الخليفة إياه، وإيمان زيد بن ثابت بأن الله رقيب عليه في جمع كلامه جل شأنه هو الذي سما به ليقدر ما لهذا الأمر من جلال، وليبذل فيه كل جهد ويستهين بكل مشقة، وألا يدخر وسعا في جمع كل ما سطر القرآن فيه من الرقاع والأكتاف واللخاف
13
والعسب ومن صدور الرجال، وفي موازنة ذلك كله بعضه ببعض، وموازنته بما حفظ هو عن رسول الله في السنة الأخيرة من حياته، والوصول من الجمع إلى الغاية التي يبتغيها خليفة رسول الله والتي ترضي الله ورسوله، بذلك صار هذا المصحف المجموع إماما استراح إليه المسلمون، فلما أراد عثمان توحيد القراءات جعله إمامه.
Неизвестная страница