Память мучеников науки и изгнания
ذكرى شهداء العلم والغربة
Жанры
لنراه للذرى منبثقا
كلمات الكتاب في رثاء الشهداء
كلمة الكاتب القدير الأستاذ الشيخ عبد العزيز جاويش نزيل برلين.
دمعة محزون
لقد كان للنبأ الذي هبط بنا في يوم الاثنين 29 مارس من التأثير ما لا يكاد يستطيع القلم وصفه، فوجئنا بنبأ تلك الصدمة الكبرى التي فقدت بها بلادنا العزيزة اثني عشر من خيرة شبابها.
فجاءتنا بذلك الشركات التلغرافية دون تفصيل ولا إيضاح، فأبكت منا العيون وخلعت القلوب لولا بقية من الصبر ألقاها الله علينا، فأمكنتنا من التفكر فيما عسى أن نستطيع عمله في سبيل إسعاف الجرحى وتدبير أمر من فقدنا من الشهداء، ولقد استطاع بعض الإخوان الحصول على الإذن بالسفر إلى فينا لاطلاعهم على الخبر في بكرة ذلك اليوم. أما كاتب هذه السطور فقد كنت في أحد المستشفيات لأشهد عملية جراحية بسيطة لبعض إخواني من الطلبة، فلم أعد إلى منزلي حتى كانت الساعة الثانية من ظهر ذلك اليوم، إذ كانت سائر المصالح معطلة فلم يسعني سوى الصبر إلى الغد، وهنالك استأنفت اتخاذ التدابير اللازمة للسفر، تلك التدابير التي استغرقت الصباح برمته، وكنا نظن أنا واثنان معي أن التدابير قد تمت، ولكن حينما كنا بدار قنصل الشيكوسلوفاكية رأينا من الأسباب ما اضطرنا إلى إرجاء السفر إلى اليوم التالي؛ لا سيما وأنه لم يكن ثمة إكسبريس للسفر في ذلك اليوم، فلم يسعنا سوى الانتظار الذي قضت به الضرورة، ولكن هون علينا الأمر وصول إخواننا الذين سبقونا إلى فينا، ثم ما علمنا من أن ما معنا من البسابورتات لا يبيح لنا الدخول في الحدود الإيطالية، ولكننا في اليوم الثالث سعينا في إنجاز المساعي اللازمة للسفر إلى فينا، وبينا نحن نفكر بعيد الظهر في أمر القطار والتأهب للرحيل إذ بشابين وفدا إلي وإذا هما من جملة البعثة التي نزلت بها تلك الفاجعة الموجعة، فأخذا يقصان علي الحادثة الفظيعة، فأخبراني بما كان من إعادة الجرحى وهم ثمانية نفر إلى تريستا ودفن الاثني عشر الشهداء في مكان الحادثة، بعد أن أخذت صورهم الفتوغرافية وعلمت مضاجعهم هنالك بأرقام، وأن الباقين الناجين من تلك الحادثة قد قدموا بالفعل فينا وقرروا أن يقدموا برلين زمرة زمرة، فكان هذان الزائران أول الفئات القادمة.
نعم قصا علي من أمر تلك الكارثة ما ضاعف آلامي وأحزاني لا سيما بعد إذ علمت أن ضحايانا بالأمس كانوا خيرة البعثات العلمية التي أمت هذه البلاد بعد الحرب. لم يستطع هذان الزائران أن يزوداني إذ ذاك بسائر الأسماء والنعوت، ولكن الزمرة التي قدمت بالأمس (3 أبريل الجاري)، وكانت تتألف من ثلاثة، وفدت إلى منزلي بعيد الظهر من ذلك اليوم فعلمت منها أسماء الشهداء والجرحى وتفاصيل الكارثة التي قصها علي أحدهم وكان في نفس العربة التي تحطمت تقريبا، وقد اتصل بي الآن تلغراف من الوفد الذي ذهب إلى مكان الحادثة يفيد أن الجرحى في حالة حسنة، وأن الشهداء اتخذت لهم الوسائل التحنيطية لإرسالهم بعد إلى وطنهم الحزين.
وهنا أتقدم إلى وطني العزيز بالتعزية في طائفة من خيرة شبابه وأبر أبنائه لم يهجروه في لعب ولا لهو ولم يفارقوه في قلى ولا جفاء، ولكن وقفوا حياتهم على خدمته وأرواحهم على تفديته وسائر مواهبهم على نصرته، فما فارقوه إلا في سبيله ولا حرموا أعينهم الاكتحال بمنظره إلا ليتزودوا له بالأعمال الصالحة والفنون النافعة، ثم ينقلبوا إليه ليكونوا حماة استقلاله ودعائم مجده وزينة شعبه. فرحم الله تلك الأرواح الطاهرة رحمته بالشهداء الأبرار والمجاهدين الأخيار.
أما أنتم آباء أولئك الشهداء وذوي قرابتهم، فحسبكم عزاء فيما أصابكم فيهم أن القطر برمته ألم كما ألمتم وانتحب كما انتحبتم، فكارثتهم ليست مصاب الاثني عشر بيتا التي نبتوا فيها وشبوا بين جدرانها ثم برزوا للأمة بما زودتهم من نبيل شيمها ومكارم أخلاقها، ولكنه مصاب أربعة عشر مليونا من البشر يتألف منهم جسم أمتنا العزيزة ومصاب وادي النيل الذي يرتقب من بنيه النجباء من سيأخذ بيديه إلى ساحل السلامة وينتشله من الأرزاء التي لا يزال يخوض غمارها. فصبر جميل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
برلين في 3 أبريل
Неизвестная страница